روى ابن أبي الدنيا والخرائطي عن والبيهقي عبد المجيد بن أبي عيسى عن أبيه عن جده ، عن وابن عساكر في تاريخه الأوسط عن شيخه البخاري أبي محمد الكوفي قالا :
سمعت قريش قائلا يقول في الليل على أبي قبيس :
فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان- وفي لفظ قريش- من السعدان؟» «أسعد بن بكر أم سعد بن هذيم؟» فلما كانت الليلة الثانية سمعوا قائلا يقول :فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ويا سعد سعد الخزرجيين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس زلفة عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات زخارف
قال وحدثني ابن إسحاق : عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب ، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن خرج أسعد بن زرارة بمصعب بن عمير ، يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر ، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، أسعد بن زرارة ، وسعد بن معاذ ، يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل ، وكلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به قال وأسيد بن حضير سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا ، فإنه لولا أن مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما . قال : فأخذ أسعد بن زرارة حربته ، ثم أقبل إليهما . فلما رآه أسيد بن حضير قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : هذا سيد قومه فاصدق الله فيه . قال إن يجلس أكلمه . مصعب :
قال : فوقف عليهما متشتما ، قال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ فقال : أنصفت . ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب : بالإسلام وقرأ عليه القرآن . فقالا فيما يذكر عنهما : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله ، ثم قال : ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له : تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي . فقام فاغتسل [ ص: 199 ] مصعب
وطهر ثوبيه وتشهد بشهادة الحق ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن : ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد بن معاذ ، سعد وقومه ، وهم جلوس في ناديهم ، فلما نظر إليه مقبلا قال : سعد بن معاذ
أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم .
فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت؟ قال : كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا : نفعل ما أحببت ، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى ليقتلوه ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك . قال : فقام أسعد بن زرارة سعد مغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من أمر بني حارثة . فأخذ الحربة من يده ، ثم قال : والله ما أراك أغنيت شيئا . ثم خرج إليهما ، فلما رآهما مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما . فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : أي جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان . مصعب :
قال : فقال له أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره . قال مصعب : سعد : أنصفت . ثم ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن .
قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ، ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا : تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين . ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه فلما رآه قومه مقبلا قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . أسيد بن حضير ،
فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة . قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله . قال : فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة ، حاشا الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد ولم يسجد لله سجدة ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة . قال ورجع ابن إسحاق : سعد ومصعب إلى منزل فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف ، وتلك أوس الله وهم من أسعد بن زرارة ، الأوس بن حارثة ، وذلك أنه كان فيهم أبو [ ص: 200 ]
قيس بن الأسلت واسمه صيفي . وكان شاعرا لهم قائدا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام ، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق .
قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي : كان أبو قيس هذا قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة ، وتطهر من الحائض من النساء ، وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا يدخل عليه فيه حائض ولا جنب ، وقال : أعبد إله إبراهيم حين فارق الأوثان وكرهها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه وهو شيخ كبير ، وكان قوالا بالحق معظما لله في الجاهلية وله في ذلك أشعار حسان .
بيان غريب ما سبق «الحائط» : البستان .
«لا أبا لك» : هذا أكثر ما يستعمل في المدح أي ، لا كافي لك غير نفسك ، وقد يذكر في معرض الذم كما يقال : لا أم لك ، وقد يذكر في معرض التعجب ودفعا للعين كقولهم : لله درك ، وقد تكون بمعنى «جد في أمرك وشمر» ، لأن من له أب اتكل عليه في بعض شأنه ، وقد تحذف اللام فيقال : «لا أباك» .
«دارينا» : هو تثنية دار ، والدار هي القبيلة والعشيرة المجتمعة في المحلة فتسمى المحلة دارا .
«النادي» : متحدث القوم .
«ليخفروك» : بضم أوله وكسر الفاء رباعيا أي لينقضوا عهدك ، يقال : أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه . «الغطارف» : جمع غطريف بكسر الغين المعجمة : السيد .
«متشتما» : من الشتم وهو السب . [ ص: 201 ]