روى الطبراني وصححه ، والحاكم وأبو نعيم عن وأبو بكر الشافعي حبيش بن خالد الأشعر الخزاعي القديدي ، أخي أم معبد رضي الله عنهما ، عن وأبو بكر الشافعي أبي سليط- بفتح السين المهملة وكسر اللام فمثناة تحتية فطاء مهملة- واسمه أسيرة- بضم أوله وفتح ثانيه وسكون المثناة التحتية- ابن عمرو الأنصاري رضي الله عنه ، وابن سعد عن والبيهقي أبي معبد ، وابن السكن عن أم معبد رضي الله عنها ، والبزار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم الليثي عبد الله بن الأريقط ، مروا على خيمة أم معبد الخزاعية ، وهي لا تعرفه ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وإذا القوم مرملون مسنتون . فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم .
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة- وفي لفظ في كفاء البيت- فقال : «ما هذه الشاة يا أم معبد»؟ قالت :
شاة خلفها الجهد عن الغنم . قال : «هل بها من لبن»؟ قالت : هي أجهد من ذلك . قال : «أتأذنين لي أن أحلبها»؟ قالت : بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها حلبا فاحلبها فوالله ما ضربها فحل قط [ ص: 245 ] فشأنك بها . فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وظهرها وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء- وفي لفظ الثمال- ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب صلى الله عليه وسلم آخرهم ، وقال : «ساقي القوم آخرهم شربا» . ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها . فبايعها وارتحلوا عنها .
وروى ابن سعد عن وأبو نعيم أم معبد قالت : «بقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة زمان رضي الله عنه . وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا ، وما في الأرض قليل ولا كثير» . عمر بن الخطاب وقال هشام بن حبيش : «أنا رأيت الشاة وإنها لتأدم أم معبد وجميع صرمتها» ، أي أهل ذلك الماء .
فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيالا عجافا يتساوكن هزالا مخهن قليل .
فلما رأى اللبن عجب فقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في البيت؟ قالت : «لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا» . قال : «فيه لي يا أم معبد» . قالت : «رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج وفي أسفاره وطف وفي صوته صحل- أو قالت صهل- وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب ، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة لا تشنؤه من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود لا عابس ولا مفند» . فقال أبو معبد : «هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكة ما ذكر ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا» .
قالت أسماء رضي الله عنها : «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش [ ص: 246 ] فيهم أبو جهل بن هشام فخرجت إليهم فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر؟» فقلت «والله لا أدري أين أبي» . فرفع أبو جهل يده ، وكان فاحشا خبيثا ، فلطم خدي لطمة خرج منها قرطي ، ثم انصرفوا ، فمكثنا ثلاثة أيام ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وتبعه الناس يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به
فأفلح من أمسى رفيق محمد فيا لقصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لا تجارى وسودد ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت
له بصريح ضرة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصدر ثم مورد
لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم وقدس من يسري إليه ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمى وهداة يهتدون بمهتد
لقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد
«فلبثنا ليلتين ثم انطلقنا ، وكانت تسميه المبارك ، وكثرت غنمها حتى جلبت حلبا إلى المدينة فمر أبو بكر رضي الله عنه فرآه ابنها فعرفه ، فقال : يا أمه إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك ، فقامت إليه فقالت : يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال : وما تدرين؟ قالت :
لا . قال : هو نبي الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فأدخلني عليه . قال : فأدخلها فأطعمها وأعطاها . وفي رواية :
فأهدت إليه شيئا من أقط ومتاع الأعراب ، فكساها وأعطاها» ، قال- ولا أعلمه إلا قال :
«أسلمت» .
قال في الدلائل : «وهذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة البيهقي أم معبد وتزيد في بعضها ، في قريبة منها ويشبه أن تكونا واحدة ، وقد ذكر في قصة ابن إسحاق أم معبد شيئا يدل على أنها وهذه القصة واحدة .
ثم روى من طريق البيهقي عن يونس بن بكير قال : ابن إسحاق «فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيمة أم معبد وهي التي تمرد بها الجن بأعلى مكة . واسم أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم [الخزاعية] ، فأراد القرى فقالت : والله ما عندنا طعام ولا لنا منحة ولا لنا شاة إلا حائل ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض غنمها فمسح ضرعها بيده فدعا الله تعالى فحلب في العس حتى رغى ، وقال : «اشربي يا أم معبد» . قالت : اشرب أنت به أحق . فرده عليها فشربت . ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك ، فسقى دليله ثم دعا بحائل ففعل بها مثل ذلك فسقى عامر بن فهيرة ، ثم استراح .
وطلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسألوها عنه فقالوا : «أرأيت محمدا من حليته كذا وكذا»؟ فوصفوه لها ، فقالت : «ما أدري ما تقولون فقد ضافني حالب الحائل»؟
قالت قريش : «فذلك الذي أردنا» . قاله فيحتمل أولا أنه رأى التي في كسر الخيمة ، كما روينا في حديث البيهقي : أم معبد ، ثم رجع ابنها بأعنز كما روينا ثم لما أتى زوجها وصفته له ، والله أعلم . [ ص: 248 ]
سراقة رضي الله عنه قصة
روى الإمام أحمد ويعقوب بن سفيان والشيخان عن سراقة بن مالك رضي الله عنه ، والإمام والشيخان أحمد ويعقوب عن رضي الله عنه قال أبي بكر سراقة بن جعشم : دية كل واحد منهما مائة ناقة من الإبل لمن قتله أو أسره ، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا [ونحن جلوس] فقال : يا وأبي بكر سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل- وفي لفظ : ركبة ثلاثة- أراها محمدا وأصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم ، فأومأت إليه بعيني أن اسكت ، فسكت ، ثم قلت له : إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا يبتغون ضالة لهم . ثم لبثت في المجلس ثم قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي حتى رأيت أسودتهما ، فلما دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم ، أم لا أضرهم ، فخرج الذي أكره : أني لا أضرهم ، وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة ، فركبت فرسي وعصيت الأزلام فرفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره- ألا أضرهم- قال : فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني وأنه ظاهر ، فناديتهم بالأمان وقلت :
أنظروني فوالله لا آذيتكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : «قل له وما تبتغي منا»؟ فقلت : إن قومك قد جعلوا فيكما الدية وأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسألاني إلا أن قال : «أخف عنا» فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به ، قال : «اكتب له يا أبا بكر» - وفي رواية : فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ثم رجعت] فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف خرجت لألقاه ومعي الكتاب الذي كتب لي [فلقيته بالجعرانة] . قال : «فبينا أنا عامد له دخلت بين ظهري كتيبة من كتائب الأنصار ، فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون : إليك إليك حتى إذا دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته . [ ص: 249 ]
والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة . قال : فرفعت يدي بالكتاب . ثم قلت :
يا رسول الله هذا كتابك لي وأنا سراقة بن مالك قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يوم وفاء وبر أدنه» ، فدنوت منه فأسلمت ، ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره ، إلا أني قلت : يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي وقد ملأتها لإبلي هل لي من أجر [في أن أسقيها] ؟ قال : «نعم في كل ذات كبد حرى أجر» قال : ثم رجعت إلى قومي فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي . جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال رضي الله عنه : أبو بكر سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض فقلت :
يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا . قال : «لا تحزن إن الله معنا» . فلما دنا منا وكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت : هذا الطلب قد لحقنا وبكيت . [قال صلى الله عليه وسلم : «ما يبكيك»؟] قلت : «أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك» . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
«اللهم اكفناه بما شئت» . قال : فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ، ثم قال : يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حاجة لنا في إبلك وغنمك» ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق راجعا إلى أصحابه لا يلقى أحدا إلا قال : قد كفيتم ما ههنا ، ولا يلقى أحدا إلا رده ، ووفى لنا . «وتبعنا
وعند ابن سعد أن سراقة لما رجع قال لقريش : قد عرفتم بصري بالطريق وقد استبرأت لكم فلم أر شيئا ، فرجعوا . وقال ابن سعد عارضهم والبلاذري : سراقة بقديد يوم الثلاثاء .
وروى عن ابن عساكر قال : قال ابن إسحاق رضي الله عنه- فيما يذكرون والله أعلم في دخوله الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي مسيرهم وفي طلب سراقة إياهم : أبو بكر الصديق
قال النبي ولم يجزع يوقرني ونحن في شدة من ظلمة الغار
لا تخش شيئا فإن الله ثالثنا وقد توكل لي منه بإظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره كيد الشياطين كادته لكفار
والله مهلكهم طرا بما كسبوا وجاعل المنتهي منها إلى النار
[ ص: 250 ] وأنت مرتحل عنهم وتاركهم إما عدوا وإما مدلج ساري
وهاجر رضمهم حتى يكون لنا قوم عليهم ذوو عز وأنصار
حتى إذا الليل وارتنا جوانبه وسد من دون من تخشى بأستار
سار الأريقط يهدينا وأينقه ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار
يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها وكل سهب رقاق الترب موار
حتى إذا قلت قد أنجدن عارضها من مدلج فارس في منصب واري
يردي به مشرف الأقطار معتزم كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري
فقال : كروا فقلنا : إن كرتنا من دونها لك نصر الخالق الباري
أن يخسف الأرض بالأحوى وفارسه فانظر إلى أربع في الأرض غوار
فهيل لما رأى أرساغ مهرته قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار
فقال : هل لكم أن تطلقوا فرسي وتأخذوا موثقا في نصح أسرار
وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم وأن أعور منهم عين عوار
فادع الذي هو عنكم كف عورتنا يطلق جوادي وأنتم خير أبرار
فقال قولا رسول الله مبتهلا يا رب إن كان منه غير إخفار
فنجه سالما من شر دعوتنا ومهره مطلقا من كلم آثار
فأظهر الله إذ يدعو حوافره وفاز فارسه من هول أخطار
وروى عن أبو نعيم عن أنس بن مالك
الأوسي الأسلمي عن أبيه قال : وأبو بكر مروا بإبل لنا بالجحفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لمن هذه الإبل»؟ [ ص: 251 ] فقالوا : لرجل من أسلم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فقال : «سلمنا إن شاء الله» . فأتاه أبي وحمله على فحل من إبله وبعث معه غلامه مسعودا» . أبي بكر وروى «لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي عن وأبو نعيم قيس بن النعمان قال : وأبو بكر مستخفين مروا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال : ما عندي شاة تحلب ، غير أن ههنا عناقا حملت أول الشتاء وقد أخدجت وما بقي لها من لبن فقال : «ادع بها» ، فدعا بها ، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها حتى أنزلت . ودعا بمجن ، فحلب وسقى أبو بكر ثم حلب فسقى الراعي ، ثم حلب فشرب ، فقال الراعي : من أنت؟ فوالله ما رأيت مثلك قط . قال : «أو تراك تكتم علي حتى أخبرك؟ قال : نعم . قال : «فإني أبا بكر ، محمد رسول الله» . قال : أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال : «إنهم ليقولون ذلك» . قال : فأشهد أنك نبي الله وأشهد أن ما جئت به حق ، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي» . «لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلموروى عن البيهقي رضي الله عنه أبي هريرة مدخله لأبي بكر المدينة : «أله عني الناس فإنه لا ينبغي لنبي أن يكذب» .
فكان إذا سئل : من أنت؟ قال : أبو بكر
باغ ، وإذا قيل : من الذي معك؟ قال : هاد يهديني» . وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن البخاري رضي الله عنه قال : أنس
أبا بكر ، وأبو بكر شيخ ، والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف ، فيلقى الرجل فيقول : من هذا بين يديك؟ فيقول : هذا الذي يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير» . أبا بكر «أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردف
وروى في الموفقيات ، الزبير بن بكار عن طريق وأبو نعيم عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال : سعد بن عبادة «لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة ، خرجت إلى حضرموت لبعض الحاجة فقضيت حاجتي ثم رجعت حتى إذا كنت ببعض الأرض نمت ففزعت من الليل فإذا بصائح يقول :
أبا عمرو تأوبني السهود وراح النوم وانقطع الهجود
وما ذاك يا شاهب؟ قال : «نبي السلام ، بعث بخير الكلام ، إلى جميع الأنام ، فأخرج من البلد الحرام ، إلى نخيل وآطام» ثم طلع الفجر فذهبت أتفكر فإذا عظاية وثعبان ميتان ، فما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلا بهذا الحديث» .
ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في [ ص: 252 ] سبعين من قومه من بني سهم ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : «من أنت»؟ قال : بريدة ، فقال لأبي بكر :
«برد أمرنا وصلح» . ثم قال : «ممن»؟ قال : من أسلم . فقال «سلمنا» . ثم قال : «من بني من»؟ قال : من بني سهم . قال : «خرج سهمك [يا أبا بكر] » . فقال لأبي بكر : بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم : من أنت؟ قال : «أنا محمد بن عبد الله رسول الله» . فقال بريدة : أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا . قال بريدة : الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين ، فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم : «يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء» .
فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة .