الباب الثاني عشر : في سحرهم إياه صلى الله عليه وسلم  
روى الشيخان  والإسماعيلي ،   وابن مردويه ،   والبيهقي  عن  عائشة  رضي الله عنها ، والإمام  أحمد ،   وعبد بن حميد ،   والبخاري ،   والنسائي  عن  زيد بن أرقم ،   وابن مردويه  عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه ، وابن سعد ،   والبيهقي ،   وابن مردويه  عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، وابن سعد  عن عمر بن الحكم  مرسلا ، قال عمر بن الحكم :  لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ، ودخل المحرم سنة سبع ، جاءت رؤساء يهود [الذين بقوا في المدينة  ممن يظهر الإسلام وهو منافق] إلى لبيد بن الأعصم ،  وكان حليفا في بني زريق ، وكان ساحرا [قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم] فقالوا له : يا أبا الأعصم  أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمدا  فلم نصنع شيئا ، وأنت ترى أثره فينا ، وخلافه ديننا ، ومن قتل منا وأجلى ، ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه ، فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وقالت  عائشة  رضي الله عنها في رواية عبد الله بن عمير :  سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق . وفي رواية  ابن عيينة :  رجل من بني زريق حليف يهود وكان منافقا  . وفي حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك  عند ابن سعد :  إنما سحره بنات أعصم  أخوات لبيد ،  وكن أسحر من لبيد  وأخبث ، وكان لبيد هو الذي ذهب به فأدخله تحت راعوفة البئر ، فلما عقدوا تلك العقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة بصره ، ودس بنات أعصم إحداهن ، فدخلت على  عائشة  رضي الله عنها ، [فخبرتها  عائشة  أو سمعت  عائشة  تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره] ثم خرجت إلى أخواتها [وإلى لبيد] فأخبرتهم بذلك . فقالت إحداهن : "إن يكن نبيا فسيخبر ، وإن يك غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر حتى يذهب عقله" . 
وفي رواية في الصحيح [عن  عائشة  رضي الله عنها قالت :  "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر] حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" . قال سفيان :  وهذا شر ما يكون إذا كان كذا . 
وفي مرسل  يحيى بن يعمر  عن  عبد الرزاق :  حتى أنكر بصره ، فدخل عليه أصحابه  [ ص: 411 ] يعودونه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه لما به [مطبوب] . وفي رواية عمرة  عن  عائشة  عند  البيهقي :  فكان يذوب وما يدري ما وجعه فاشتكى لذلك أياما . وفي رواية أبي ضمرة  عند  الإسماعيلي :  مكث أربعين ليلة . وفي رواية وهيب  عند الإمام  أحمد :  ستة أشهر ، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ثم دعا ثم قال : "يا  عائشة ،  أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟" قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : "أتاني رجلان - وفي حديث  ابن عباس :  جبريل  وميكائيل-  فقعد أحدهما عند رأسي- قال  الدمياطي :  هو جبريل-  والآخر عند رجلي . ثم قال أحدهما لصاحبه- وفي حديث  ابن عباس :  فقال ميكائيل :  يا جبريل ،  إن صاحبك شاك . قال : أجل . قال : وما وجع الرجل؟ فقال : مطبوب . قال : ومن طبه؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي .  
قال : فبماذا؟ قال : "في مشط ومشاطة- وفي لفظ : مشط ومشاقة وجف طلع نخلة ذكر"  . 
وفي حديث  عائشة  من طريق  ابن عيينة ،   "فقال الذين عند رأسي"  . قال الحافظ : "وكأنها أصوب" . وفي حديث  ابن عباس  عند  البيهقي  قال : وأين هو؟ قال : في بئر ذي أروان- وفي لفظ : بئر ذروان- وفي حديث  ابن عباس  عند  ابن مردويه :  وهو بئر ميمون في كدية تحت صخرة في الماء . قال : فما دواء ذلك؟ قال : تنزح البئر ، ثم تقلب الصخرة فتؤخذ الكدية فيها مثال إحدى عشرة عقدة فتحرق ، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  عليا  وعمارا .  
وفي حديث آخر : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر ، فنظر إليها ، وعليها نخل ، فدخل رجل فاستخرج جف طلعة [ذكر] من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فنزل جبريل  عليه السلام بالمعوذتين : سورة الفلق وسورة الناس [وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما] فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ويجد بعدها راحة . 
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال . 
قالت  عائشة :  فلما رجع قال : "لكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها الذي يشرب ماءها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين" . قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال : "لا" - 
وفي رواية من حديث  عائشة  في الصحيح وغيره : فقلت يا رسول الله : أفلا- قال سفيان : أي تنشرت- فقال : "أما والله"  - وفي رواية :  "أما أنا فقد عافاني الله وشفاني ، وخشيت أن أثور- وفي رواية أثير- على الناس منه شرا"  . وأمر بها فدفنت . فقيل : يا رسول الله لو قتلته فقال : "ما وراءه من عذاب أشد"  . وفي رواية : فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فعفا عنه ولم يقتله .  [ ص: 412 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					