[ ص: 365 ] فصل مذهب عامة العلماء ألا يبدأ أهل الذمة بالسلام ولا يجوز أهل الذمة بالسلام هذا هو الذي عليه عامة العلماء سلفا وخلفا لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بداءتهم بالسلام وذلك في الصحيحين وغيرهما قال بداءة في رواية أحمد أبي داود وسئل عمن يبتدئ الذمي بالسلام إذا كانت حاجة إليه قال لا يعجبني .
وقال في رواية أبي الحارث وسأله قال : مررت بقوم جلوس وفيهم نصراني أسلم عليهم ؟ قال سلم عليهم ولا تنوه .
وروى أحمد والبخاري ومسلم والترمذي من حديث { أسامة بن زيد اليهود فسلم عليهم } وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من سئل أحمد بن الحسين عن رجل له قرابة ذمي أيسلم عليه ؟ قال لا يبدأه بالسلام يقول : ابدراتم ، ولا يبدأ بالسلام . أبو عبد الله
وكذا نقل قال سئل إسماعيل بن إسحاق عن رجل له قرابات أحمد بن حنبل مجوس من أهل الذمة يدخل عليهم أيسلم ؟ قال : لا فقيل له كيف يقول ؟ قال يقول ابدراتم ولا يبدأ بالسلام . قال الشيخ تقي الدين فقد نهى عن الابتداء مطلقا ورخص عند قدوم المسلم أن يحيي بمثل ابدراتم .
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يحرم وهو وجه لبعض الشافعية ، وذهب بعض العلماء إلى جوازه للحاجة وذكر بعض أصحابنا المتأخرين احتمالا رأيته بخط القاضي تقي الدين الزيداني البغدادي ، وسبق قول لا يعجبني . أحمد
ولأصحابنا وجهان في هذا اللفظ هل يحمل على التحريم أو الكراهة قال قيل ابن عبد البر إن لمحمد بن كعب القرظي سئل عن ابتداء عمر بن عبد العزيز أهل الذمة بالسلام قال : يرد عليهم ولا يبدؤهم بالسلام ، فقال له : لم ؟ فقال لقوله عز وجل : { فاصفح عنهم وقل سلام } [ ص: 366 ]
كذا قال وهو غريب قال السدي : قل خيرا بدلا من شرهم ، وقال : اردد عليهم معروفا ، وقال بعضهم : قل ما تسلم به من شرهم . مقاتل
وتأول النهي عن بداءتهم على أن معناه ليس عليكم أن تبدءوهم قال بدليل ما روى ابن عبد البر عن الوليد بن مسلم قال : رأيت عروة بن رويم يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي ويقول هي تحية لأهل ملتنا ، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا قال : ومحال أن يخالف أبا أمامة الباهلي أبو أمامة السنة في ذلك كذا قال وأبو أمامة إن صح ذلك عنه فقد خالفه غيره بلا شك والنهي ظاهر في التحريم والأصل عدم الإضمار .
وفي تتمة الخبر { } وهذا السياق يقتضي النهي وقد خالف وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها ابن عبد البر في هذه المسألة والله أعلم . مالكا
ولأن في ذلك ودا ولطفا وقد أمر الله بمجاهدتهم والغلظة عليهم وكذلك نهى الله تعالى عن موالاتهم ومودتهم كما يأتي الكلام عليه في آخر الكتاب ومن ذلك مواكلتهم .
قال وروى ابن عبد البر عن ابن المبارك شريك عن كان يقال : من الجفاء أن تواكل غير أهل دينك ، فأما من خاف من ذلك على نفس أو مال فإنه يجوز أن يستحب أو يجب نظرا إلى ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما ، فأما الحاجة إليه يسهل تركها بلا مشقة مثل كثير من حوائج الدنيا المعتادة فهذا والله أعلم الذي أراد أبي إسحاق في رواية أحمد أبي داود وكلامه فيه متردد بين التحريم والكراهة وظاهر كلام الأصحاب التحريم والمسألة فيه محتملة .
فأما الحاجة بالمعنى الأول فتبعد إرادته كما يبعد المنع منه والله تعالى أعلم .
فإن سلم أحدهم وجب الرد عليه عند أصحابنا وعند عامة العلماء .
[ ص: 367 ] لصحة الأحاديث عنه عليه السلام بالأمر بالرد ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب ، ورواه ابن وهب وأشهب عن . وصفة الرد عليكم أو وعليكم بحذف الواو وإثباتها . صحت هذه الألفاظ عن النبي صلى الله عليه وسلم واختار أصحابنا الواو وذكر مالك ابن أبي موسى في الإرشاد حذفها قطع به .
قال : اختار بعض العلماء منهم القاضي عياض ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا تقتضي التشريك وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات وقال : عامة المحدثين يروونه وعليكم بالواو وكان الخطابي يرويه عليكم بحذف الواو وهو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودا عليهم ، فإدخال الواو يوجب الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأن الواو للعطف والجمع بين الشيئين . سفيان بن عيينة
وقال غيره : الواو أجود كما هو أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ، وقيل الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك ، وقوله وعليكم ما يستحقونه من الذم ولا يجوز الزيادة على ذلك نص عليه وللشافعية وجه يجوز أن يقال وعليكم السلام قال بعض العلماء عليكم السلام بكسر السين وهي الحجارة وذكر في آخر الرعاية أنه إذا كسر سين السلام وهي حجارة رد عليه مثله وذكره ابن أبي موسى والأول أولى عملا بالأحاديث الواردة فيه .
وقال الشيخ تقي الدين إذا سلم الذمي على المسلم فإنه يرد عليه مثل تحيته وإن قال أهلا وسهلا فلا بأس كذا قال ، وجزم في مواضع أخر بمثل قول الأصحاب وسلم على ذمي ولم يعلم أنه ذمي ، وذكر بعض أصحابنا أنه يقول له رد علي سلامي ، فعله أحمد . ابن عمر