[ ص: 311 ] فصل ( في ) . ترتيل القرآن وتدبره والتخشع والتغني به
ويستحب ترتيل القراءة وإعرابها وتمكن حروف المد واللين من غير تكلف ، قال : تعجبني القراءة السهلة ، وكره السرعة في القراءة قال أحمد حرب : سألت عن السرعة في القراءة فكرهه إلا أن يكون لسان الرجل كذلك أو لا يقدر أن يترسل ، قيل : فيه إثم ؟ قال أما الإثم فلا أجترئ عليه قال أحمد : يعني إذا لم تبن الحروف مع أنه قال : ظاهر هذا كراهة السرعة والعجلة . القاضي
قال في رواية جعفر بن أحمد وقد سئل إذا قام الرجل من الليل أيما أحب إليك : الترسل أو السرعة ؟ فقال : أليس قد جاء : بكل حرف كذا وكذا حسنة ؟ قولوا له في السرعة قال : إذا صور الحرف بلسانه ولم يسقط من الهجاء قال : وظاهر هذا أنه اختار السرعة . القاضي
وقال في الرعاية الكبرى : كره سرعتها إذا لم يبين الحروف انتهى كلامه . أحمد
قال : أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة ، ومعناه أنه إذا بين ما يقرأ به فقد أتى بالترسل وإن كان مستعجلا في قراءته ، وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها ما لم يخرجه ذلك إلى التمديد والتمطيط ، فإذا انتهى إلى التمطيط كان ممنوعا ، قال وقد أومأ القاضي إلى معنى هذا فقال في رواية أحمد أبي الحارث : يعجبني من قراءة القرآن السهلة ولا تعجبني هذه الألحان ، قال الشيخ تقي الدين : أظنه حكاية عن أبي موسى ، والتفهم فيه والاعتبار فيه مع قلة القراءة أفضل من إدراجه بغير تفهم . انتهى كلامه .
قال : يحسن القارئ صوته بالقرآن ويقرؤه بحزن وتدبر وهو معنى قوله : عليه السلام { أحمد } نص عليه . : ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن
قوله : أذن بكسر الذال ومعناه الاستماع . وقوله : " كأذنه " هو بفتح الهمزة والذال وهو مصدر أذن يأذن أذنا كفرح يفرح فرحا .
وفي [ ص: 312 ] رواية في الصحيح : " كإذنه " بكسر الهمزة وإسكان الذال . قال : هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به . انتهى كلامه . القاضي عياض
وفي الصحيحين عن مرفوعا { أبي هريرة } ومعناه أذن استمع . : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به
وقال : عليه السلام { } رواه ليس منا من لم يتغن بالقرآن . ، كذا عزاه في الشرح وذكر البخاري النووي أن أبا داود رواه بإسناد جيد من حديث أبي لبابة عن عن عبد الأعلى بن حماد عبد الجبار بن الورد عن أبي مليكة قال : قال : مر بنا عبد الله بن أبي يزيد أبو لبابة فذكره في قصة . قال عن البخاري عبد الجبار : يخالف في بعض حديثه . ووثقه غيره ، وهذا حديث حسن ولم أجده في مسند ، وأظنه رواه في غير المسند . قال الإمام أحمد أبو عبيد معنى قوله : { } ، أي : يستغني به ولو كان من الغناء بالصوت لكان من لم يغن بالقرآن ، وروي نحو هذا التفسير عن من لم يتغن بالقرآن وقال ابن عيينة أحمد بن محمد البزي : هذا قول من أدركنا من أهل العلم .
وقال : يتغنى بالقرآن يجهر به ، وهذا قول الوليد بن مسلم ورواه الشافعي إسحاق بن إبراهيم عن وقال أحمد ، تفسيره التحزن . الليث بن سعد
وقال : تفسيره الاستغناء ، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم { عمرو بن الحارث : فتغنوا ولو بحزم الحطب }
وذكر النووي أن معناه عند وأكثر العلماء يحسن صوته به . الشافعي
ولأبي داود من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { البراء بن عازب } . زينوا القرآن بأصواتكم
قال الهروي : معناه الهجوا بقراءة القرآن وتزينوا به ، وليس معناه على تطريب الصوت والتحزين إذ ليس ذلك في وسع كل أحد قال : وهكذا قوله : { } . ليس منا من لم يتغن بالقرآن
وقال فيه البغوي [ ص: 313 ] قريبا منه ، قال : إنه من المقلوب كقولهم خرق الثوب المسمار .
وقال ` تعالى : { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } أي : تنهض ورواه البغوي من طريق آخر { } . : زينوا أصواتكم بالقرآن
وذكر جماعة من أصحابنا وغيرهم منهم الآجري والحافظ أبو موسى ، منها إدمان تلاوته ، ومنها البكاء فإن لم يكن فالتباكي ، ومنها حمد الله عند قطع القراءة على توفيقه ونعمته وسؤال الثبات والإخلاص ، ومنها السؤال ابتداء ، ومنها أن يسأل عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية العذاب ومنها أن يجهر بالقراءة ليلا لا نهارا ، ومنها أن يوالي قراءته ، ولا يقطعها حديث الناس ، وفيها نظر إذا عرضت حاجة ، ومنها أن يقرأ بالقراءة المستفيضة لا الشاذة الغريبة ، ومنها أن تكون قراءته عن العدول الصالحين العارفين بمعانيها ، ومنها أن يقرأ ما أمكنه في الصلاة ; لأنه أفضل أحوال العبد ; ولأن في الحديث : أن القراءة فيها تضاعف على القراءة خارجا عنها . لقراءة القرآن آدابا
وقال : ( كانوا يستحبون أن يختموا في ركعتي المغرب أو في الركعتين قبل الفجر ) . محمد بن جحادة
ومنها أن يتحرى قراءته متطهرا ، ومنها إن كان قاعدا استقبل القبلة ، ومنها كثرة تلاوته في رمضان ، ومنها أن يتحرى أن يعرضه كل عام على من هو أقرأ منه ، ومنها بالإعراب وقد تقدم .
وقال بعض أصحابنا : إن المعنى الاجتهاد على حفظ إعرابه لا أنه لا يجوز الإخلال به عمدا فإن ذلك لا يجوز ويؤدب فاعله لتغييره القرآن ، ومنها أن يفخمه ; لأنه روي عنه عليه السلام { } قال : نزل القرآن بالتفخيم الحافظ أبو موسى : معناه أن يقرأه على قراءة الرجال ولا يخضع الصوت به ككلام النساء وليس معناه كراهة الإمالة ويحتمل إرادتها ، ثم رخص فيها ، ومنها أن يفصل بين سورة مما قبلها إما بالوقف أو التسمية ولا يقرأ من أخرى قبل فراغ الأولى ، ومنها الوقف على رءوس الآي وإن لم يتم الكلام لوقفه في قراءة الفاتحة على كل آية ، ولم يتم الكلام قال أبو موسى [ ص: 314 ] ولأن الوقف على آخر السورة لا شك في استحبابه ، وقد يتعلق بعضها ببعض كسورة الفيل مع قريش : ومنها أن يعتقد جزيل ما أنعم الله عليه إذ أهله لحفظ كتابه ، ويستصغر عرض الدنيا أجمع في جنب ما خوله الله تعالى ، ويجتهد في شكره .
ومنها ترك المباهاة وأن لا يطلب به الدنيا ، بل ما عند الله ، ومنها أن لا يقرأ في المواضع القذرة ، وينبغي أن يكون ذا سكينة ووقار وقناعة ورضا بما قسم الله تعالى مجانبا للدنايا محاسبا لنفسه ، يعرف القرآن في سمته وخلقه ; لأنه صاحب الملك والمطلع على ما قد وعد فيه وهدد فإذا بدرت منه سيئة بادر محوها بالحسنة .
وروى الحافظ أبو موسى بإسناده عن قال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يخلطون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون ، وينبغي أن يكون باكيا محزونا حكيما عليما سكينا ، ولا يكون جافيا ، ولا غافلا ولا صاخبا ولا صياحا ولا حديدا . ابن مسعود