[ ص: 337 ] ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين
فيها محمد بن البعيث بن الجليس عن الطاعة في بلاده من خرج أذربيجان وأظهر أن المتوكل قد مات ، والتف عليه جماعة من أهل تلك الرساتيق ، ولجأ إلى مدينة مرند فحصنها ، وجاءته البعوث من كل جانب ، وأرسل إليه المتوكل جيوشا يتبع بعضها بعضا ، فنصبوا على بلده المجانيق من كل جانب ، وحاصروه محاصرة عظيمة جدا ، وقاتلهم مقاتلة هائلة ، وصبر هو وأصحابه صبرا بليغا ، وقدم بغا الشرابي لمحاصرته ، فلم يزل به حتى أسره ، واستباح أمواله وحرمه ، وقتل خلقا من رءوس أصحابه ، وأسر سائرهم ، وانحسمت مادة ابن البعيث ، ولله الحمد . وفي جمادى الأولى منها خرج المتوكل إلى المدائن .
وفيها حج إيتاخ أحد الأمراء الكبار ، وهو والي مكة والمدينة والموسم ، ودعي له على المنابر ، وقد كان إيتاخ هذا غلاما خزريا ، [ ص: 338 ] طباخا لرجل يقال له : سلام الأبرش فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة ، فرفع منزلته ، وحظي عنده ، وكذلك الواثق من بعد أبيه ، ضم إليه أعمالا كثيرة ، وكذلك عامله المتوكل على الله أيضا وذلك لرجلة إيتاخ وشهامته ونهضته ، ولما كان في هذه السنة شرب ليلة مع المتوكل فعربد عليه المتوكل فهم إيتاخ بقتله ، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه ، وقال له : أنت أبي وأنت ربيتني ثم دس إليه من يشير عليه بأن يستأذن للحج ، فاستأذن فأذن له ، وأمره على كل بلدة يحل بها ، وخرج القواد في خدمته إلى طريق الحج حين خرج ، وولى المتوكل الحجابة لوصيف الخادم عوضا عن إيتاخ .
وحج بالناس فيها محمد بن داود أمير مكة وهو أمير الحجيج من سنين متقدمة .