موت القائم الفاطمي  وولاية ولده المنصور   
وفي رمضان من هذه السنة - والصحيح في شوال من التي بعدها - توفي القائم بأمر الله القاسم بن المهدي  ، وقد عهد بالأمر من بعده لولده المنصور إسماعيل  ، فكتم موت أبيه مدة حتى استقر أمره ، ثم أظهره . وقد كان أبو يزيد الخارجي  قد حاربهم في هذه السنة ، وأخذ منهم مدنا كبارا ، وكسروه مرارا متعددة ، ثم يثور عليهم ، ويجمع الرجال ويقاتلهم بمن قدر عليه ، فانتدب المنصور  لقتال أبي يزيد  بنفسه ، وركب في الجيوش ، وجرت بينهم حروب يطول ذكرها ، وقد بسطها  ابن الأثير  في " كامله " . وقد انهزم في بعض الأحيان جيش المنصور  عنه ، ولم يبق إلا في عشرين نفسا ، فقاتل بنفسه قتالا عظيما ، فهزم أبا يزيد  بعدما كاد يقتله ، وثبت المنصور  ثباتا عظيما ، فعظم في أعين   [ ص: 164 ] الناس ، وزادت حرمته وهيبته ، واستنقذ بلاد القيروان  منه ، وما زال يحاربه المنصور  حتى ظفر به وقتله . ولما جيء برأسه سجد شكرا لله عز وجل ، وكان أبو يزيد  هذا قبيح الشكل ، أعرج ، قصيرا ، خارجيا شديدا ، يرى تكفير أهل الملة ، قبحه الله في الدنيا والآخرة . 
وفي ذي الحجة من هذه السنة قتل أبو الحسين البريدي  وصلب ثم أحرق ، وذلك لأنه قدم بغداد  يستنجد بتوزون  وأبي جعفر بن شيرزاد  على ابن أخيه ، فوعدوه النصر ، ثم شرع يفسد ما بين توزون  وابن شيرزاد  ، فعلم بذلك ابن شيرزاد  ، فأمر بسجنه وضربه ، وأحضر له بعض الفقهاء فتيا عليها خطوط الفقهاء بإباحة دمه ، فاستظهر عليه بذلك وأمر بقتله وصلبه ، ثم أحرقه ، وانقضت أيام البريديين وزالت دولتهم ، لا جمع الله بهم شملا . 
وفيها أخرج المستكفي بالله القاهر  من دار الخلافة - الذي كان خليفة ، ثم سملت عيناه - وأنزله بدار ابن طاهر  ، وقد افتقر القاهر  حتى لم يبق له من اللباس سوى قطن جبة يلتف بها ، وفي رجله قبقاب من خشب . 
وفي هذه السنة ركب معز الدولة  في رجب منها إلى واسط  ليحاصرها ، فبلغ خبره إلى توزون  فركب هو والمستكفي بالله  ، فلما سمع بهم معز الدولة  رجع عنها إلى بلاده ، وتسلمها الخليفة ، وضمنها أبو القاسم بن أبي عبد الله   [ ص: 165 ] فضمنه توزون  ثم رجع هو والخليفة إلى بغداد  في شوال من هذه السنة . 
وفيها ركب  سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان  إلى حلب  فتسلمها من يأنس المؤنسي  ، ثم سار إلى حمص  ليأخذها ، فجاءته جيوش الإخشيد محمد بن طغج  مع مولاه كافور  ، فاقتتلوا ، فانهزم  كافور الإخشيدي  ، واستولى سيف الدولة  على حمص  ثم ركب إلى دمشق  فحاصرها ، فلم يفتحها أهلها له ، فرجع عنها ، وقصده الإخشيد  بجيوش كثيفة ، فالتقيا بقنسرين  ، فلم يظفر أحد منهما بالآخر ، ورجع سيف الدولة  إلى الجزيرة  ثم عاد إلى حلب  فاستقر ملكه بها ، فقصدته الروم في جحافل عظيمة ، فالتقى معهم ، فظفر بهم فقتل منهم خلقا كثيرا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					