[ ص: 261 ] ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين وثلاثمائة
في عاشر المحرم من هذه السنة أمر معز الدولة بن بويه - قبحه الله - أن تغلق الأسواق وأن يلبس الناس المسوح من الشعر ، وأن تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ، ناشرات شعورهن في الأسواق ، يلطمن وجوههن ، ينحن على الحسين بن علي ففعل ذلك ، ولم يمكن أهل السنة منع ذلك ; لكثرة الشيعة ، وكون السلطان معهم .
وفي ثامن عشر ذي الحجة منها أمر معز الدولة بإظهار الزينة ببغداد وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد ، وأن تضرب الدبادب والبوقات ، وأن تشعل النيران بأبواب الأمراء وعند الشرط ; فرحا بعيد الغدير - غدير خم - فكان وقتا عجيبا ويوما مشهودا ، وبدعة ظاهرة منكرة .
وفيها أغارت الأرمن على الرها فقتلوا وأسروا ، ورجعوا موقرين - لعنهم الله - وثارت الروم بملكهم فقتلوه ، وولوا غيره ، ومات الدمستق ملك الأرمن ، واسمه النقفور ، وهو الذي أخذ حلب ولتكتب ترجمته في آخر الجزء .
[ ص: 262 ] وفيها ابن أبي الشوارب عن القضاء ، ونقضت سجلاته ، وأبطلت أحكامه مدة أيامه ، وولي القضاء عزل ، ورفع عنه ما كان يحمله أبو بشر عمر بن أكثم بلا رزق ابن أبي الشوارب في كل سنة ، ولله الحمد .
وفي ذي الحجة استسقى الناس لتأخر المطر وذلك في كانون الثاني .
وحكى في " المنتظم " عن ابن الجوزي ثابت بن سنان المؤرخ ، قال : حدثني جماعة من أهل الموصل ممن أثق بهم أن بعض بطارقة الأرمن أنفذ في سنة ثنتين وخمسين وثلاثمائة إلى ناصر الدولة بن حمدان رجلين من الأرمن ملتصقين ، سنهما خمس وعشرون سنة ، ملتحمين ومعهما أبوهما ، ولهما سرتان وبطنان ومعدتان ، وجوعهما يختلف ، وكان أحدهما يميل إلى النساء ، والآخر يميل إلى الغلمان ، وكان يقع بينهما خصومة وتشاجر ، وربما حلف أحدهما لا يكلم الآخر ، فيمكث كذلك أياما ، ثم يصطلحان ، فوهبهما ناصر الدولة ألفي درهم ، وخلع عليهما ، ودعاهما إلى الإسلام ، فيقال : إنهما أسلما . وأراد أن يبعثهما إلى بغداد ليراهما الناس ، ثم رجع عن ذلك ، ثم إنهما رجعا إلى بلدهما [ ص: 263 ] مع أبيهما ، فاعتل أحدهما ، ومات وأنتن ريحه ، وبقي الآخر لا يمكنه التخلص منه ، وقد كان اتصال ما بينهما من الخاصرتين ، وقد كان ناصر الدولة أراد فصل أحدهما عن الآخر ، وجمع الأطباء لذلك فلم يمكن ، فلما مات أحدهما حار أبوهما في فصله عن أخيه ، فاتفق اعتلال الآخر من غمه ونتن رائحة أخيه ، فمات غما ، فدفنا جميعا في قبر واحد .