[ ص: 337 ] ثم دخلت سنة ثنتين وستين وثلاثمائة
عملت الروافض بدعتهم في عاشوراء من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق .
وفيها اجتمع الفقيه أبو بكر الرازي الحنفي وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني وابن الدقاق الحنبلي ، وحرضوه على غزو بعز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه الروم ، فبعث جيشا لقتالهم ، فأظفره الله بهم ، وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وبعثوا برءوسهم إلى بغداد فسكنت أنفس الناس ، ولله الحمد والمنة .
وفيها سارت الروم مع الدمستق - لعنه الله - إلى حصار آمد وعليها هزارمرد غلام أبي الهيجاء بن حمدان ، فكتب إلى أبي تغلب يستصرخه ، فبعث إليه أخاه أبا القاسم هبة الله بن ناصر الدولة بن حمدان ، فاجتمعا لقتاله ، فلقياه في آخر يوم من رمضان في مكان ضيق لا مجال للخيل فيه ، فاقتتلوا مع الروم قتالا شديدا ، فعزمت الروم على الفرار ، فلم تقدر ، فاستحر فيهم القتل ، وأخذ الدمستق أسيرا ، فأودع في السجن ، فلم يزل فيه حتى مرض ، ومات في السنة القابلة ، وقد جمع له أبو تغلب الأطباء ، فلم ينفعه شيء .
[ ص: 338 ] وفيها احترق الكرخ ببغداد ، وكان سببه أن صاحب المعونة ضرب رجلا من العامة فمات ، فثار به العامة وجماعة من الأتراك ، فهرب منهم فدخل دارا ، فأخرجوه مسحوبا ، وقتلوه وحرقوه ، فركب الوزير أبو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصب للسنة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ ، فألقى في دورهم النار ، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال من ذلك ثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا ، وسبعة عشر ألف إنسان ، فعند ذلك عزل عز الدولة بختيار بن معز الدولة وزيره هذا عن الوزارة ، وولاها محمد بن بقية ، فتعجب الناس من ذلك كثيرا ، وذلك أن هذا الرجل كان وضيعا عند الناس لا حرمة له ، كان أبوه فلاحا بقرية أوانا وكان هو ممن يخدم عز الدولة ، يقدم له الطعام ، ويحمل منديل الزفر على كتفه إلى أن ولي الوزارة ، ومع هذا كان أشد ظلما للرعية من الذي قبله ، وكثر في زمانه العيارون ببغداد ، وفسدت الأمور ببغداد ، ووقع الخلاف بين عز الدولة وبين حاجبه سبكتكين ثم اصطلحا على دخن .
وفيها كان دخول المعز الفاطمي إلى الديار المصرية ، وصحبته توابيت آبائه فوصل إلى الإسكندرية في شعبان منها ، وقد تلقاه أعيان مصر إليها ، فخطب الناس هنالك خطبة بليغة ارتجالا ، ذكر فيها فضلهم وشرفهم ، وقد كذب فقال فيها : إن الله أغاث الرعايا بهم وبدولتهم ، وحكى ذلك عنه قاضي [ ص: 339 ] بلاد مصر ، وكان جالسا إلى جنبه ، فسأله : هل رأيت خليفة أفضل مني ؟ فقال له : لم أر أحدا من الخلائف سوى أمير المؤمنين ، فقال له : أحججت ؟ قال : نعم ، قال : وزرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، قال : وقبر أبي بكر وعمر ؟ قال : فتحيرت ماذا أقول ، ثم نظرت فإذا ابنه قائم مع كبار الأمراء ، فقلت : شغلني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شغلني أمير المؤمنين عن السلام على ولي العهد ، ونهضت إليه فسلمت عليه ، ورجعت ، فانفسح المجلس إلى غيري .
ثم سار من الإسكندرية إلى مصر ، فدخلها في الخامس من رمضان من هذه السنة ، فنزل القصرين ، فقيل : إنه أول ما دخل إلى محل ملكه خر ساجدا شكرا لله عز وجل .
ثم كان أول حكومة انتهت إليه أن امرأة تقدمت إليه ، فذكرت أنها كانت أودعت رجلا من اليهود الصواغ قباء من لؤلؤ منسوج بالذهب ، وأنه جحد ذلك ، فاستحضره وقرره ، فجحد اليهودي ذلك وأنكره ، فأمر عند ذلك المعز ، بأن تحفر داره ، ويستخرج ما فيها ، فوجدوا القباء بعينه قد جعله في جرة ودفنها فيها ، فسلمه كافور الإخشيدي المعز إليها ، فقدمته إليه وعرضته عليه ، فأبى أن يقبله منها ورده عليها ، فاستحسن منه ذلك الحاضرون من مؤمن وكافر . وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .