وقد كان سبكتكين مولى للأمير أبي إسحاق بن ألبتكين صاحب جيش غزنة وأعمالها للسامانية ، وليس هذا بحاجب معز الدولة ذاك ، توفي قبل هذه السنة كما تقدم ، وأما هذا فإنه لما مات مولاه لم يترك أحدا يصلح للملك من بعده لا من ولده ولا من قومه ، فاصطلح الجيش على مبايعة سبكتكين هذا ; لخيره فيهم ، وحسن سيرته ، وكمال عقله ، وشجاعته ، وديانته ، فاستقر الملك بيده ، واستمر من بعده في ولده السعيد محمود بن سبكتكين ، وقد غزا سبكتكين هذا [ ص: 373 ] بلاد الهند ، ففتح شيئا كثيرا من حصونهم ، وغنم شيئا كثيرا وكسر من أصنامهم ونذورهم أمرا هائلا وباشر من معه من الجيوش حروبا تشيب الولدان ، وقد قصده جيبال ملك الهند بنفسه وجنوده التي تعم السهول والجبال ، فكسره مرتين ، وردهم إلى بلادهم في أسوإ حال وأردإ بال .
وذكر في كامله أن سبكتكين لما التقى مع جيبال ملك الهند في بعض الغزوات كان بالقرب منهم عين في عقبة غورك ، من عادتهم أنه إذا وضعت فيها نجاسة أو قذر ، اكفهرت السماء وأرعدت وأبرقت وأمطرت ، ولا تزال كذلك حتى تطهر تلك العين من ذلك الشيء الذي ألقي فيها ، وأن سبكتكين أمر بإلقاء نجاسة في تلك العين عند ذلك - وكانت قريبة من نحر العدو - فلم يزالوا في رعود وبروق وأمطار وصواعق حتى ألجأهم ذلك الحال إلى الهرب والرجوع إلى بلادهم خائبين هاربين ، وأرسل ملك الهند يطلب من سبكتكين الصلح ، فأجابه بعد امتناع من ولده محمود ، على مال جزيل يحمله إليه ، وبلاد كثيرة يسلمها إليه ، وخمسين فيلا ورهائن من رءوس قومه يتركها عنده حتى يقوم بما التزم له من ذلك . ابن الأثير
وفيها توفي أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي
صاحب هجر [ ص: 374 ] ومقدم القرامطة ، وقام بالأمر من بعده ستة من قومه ، وكانوا يسمون بالسادة ، وقد اتفقوا على تدبير الأمر من بعده ، ولم يختلفوا ، فمشى حالهم .
وفيها كانت وفاة :
الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي ، أبو محمد القرمطي
قال : واسم ابن عساكر أبي سعيد الحسن بن بهرام ، ويقال : الحسن بن أحمد بن الحسن بن يوسف بن كوذكار . يقال : أصله من الفرس . قال : ويعرف أبو محمد هذا بالأعصم . قال : وولد بالأحساء في سنة ثمان وسبعين ومائتين ، وقد تغلب على الشام في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ، ثم عاد إلى الأحساء بعد سنة ، ثم عاد إلى دمشق في سنة ستين ، وكسر جيش جعفر بن فلاح أول من ناب بالشام عن المعز الفاطمي وقتله ، ثم توجه إلى مصر ، فحاصرها في مستهل ربيع الأول من سنة إحدى وستين ، واستمر محاصرها شهورا ، وقد كان استخلف على دمشق ظالم بن موهوب العقيلي ، [ ص: 375 ] ثم عاد إلى الأحساء ثم رجع إلى الرملة فتوفي بها في هذه السنة ، وقد قارب التسعين ، وهو يظهر طاعة عبد الكريم الطائع لله بن المطيع .
وقد أورد له أشعارا حسنة رائقة فائقة ، من ذلك ما كتب به إلى ابن عساكر جعفر بن فلاح قبل الحرب بينهما :
الكتب معذرة والرسل مخبرة والحق متبع والخير موجود والحرب ساكنة والخيل صافنة
والسلم مبتذل والظل ممدود فإن أنبتم فمقبول إنابتكم
وإن أبيتم فهذا الكور مشدود على ظهور المطايا أو تردن بنا
دمشق والباب مهدوم ومردود إني امرؤ ليس من شأني ولا أربي
طبل يرن ولا ناي ولا عود ولا اعتكاف على خمر ومجمرة
وذات دل لها دل وتفنيد ولا أبيت بطين البطن من شبع
ولي رفيق خميص البطن مجهود ولا تسامت بي الدنيا إلى طمع
يوما ولا غرني فيها المواعيد
[ ص: 376 ]
يا ساكن البلد المنيف تعززا بقلاعه وحصونه وكهوفه
لا عز إلا للعزيز بنفسه وبخيله وبرجله وسيوفه
وبقبة بيضاء قد ضربت على شرف الخيام بجاره وحليفه
قوم إذا اشتد الوغى أردى العدا وشفى النفوس بضربه ووقوفه
لم يرض بالشرف التليد لنفسه حتى أشاد تليده بطريفه
الطائع بشاه ناز بنت عز الدولة بن بويه ، وكان عرسا حافلا . وفيها دخل الخليفة
وفي هذه السنة حجت جميلة بنت ناصر الدولة بن حمدان في تجمل عظيم ، كان يضرب المثل بحجها ، وذلك أنها عملت أربعمائة محمل ، فلا يدرى في أيها هي ، ولما وصلت إلى الكعبة ، نثرت عليها عشرة آلاف دينار ، وكست المجاورين بالحرمين كلهم ، وأنفقت أموالا جزيلة في ذهابها وإيابها .
وحج بالناس من العراق الشريف أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين بن محمد بن عبد الله العلوي ، وكذلك حج بالناس إلى سنة ثمانين وثلاثمائة ، [ ص: 377 ] وكانت الخطبة في هذه السنة بالحرمين للفاطميين أصحاب مصر دون العباسيين .