[ ص: 59 ] ثم دخلت سنة تسع وستين وأربعمائة
في المحرم مرض الخليفة مرضا شديدا فأرجف الناس به ، فركب حتى رآه الناس جهرة فسكنوا .
وفي جمادى الآخرة منها زادت دجلة زيادة كثيرة إحدى وعشرين ذراعا ونصفا فنقل الناس أموالهم ، وخيف على دار الخلافة فنقل تابوت القائم بأمر الله ليلا إلى الترب بالرصافة .
وفي شوال منها وقعت وذلك لأن الفتنة بين الحنابلة والأشعرية ابن القشيري قدم بغداد فجلس يتكلم في النظامية ، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم وساعده أبو سعد الصوفي ومال معه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وكتب إلى نظام الملك يشكو إليه الحنابلة ويسأله المعونة ، وذهب جماعة إلى [ ص: 60 ] الشريف أبي جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة وهو في مسجده فدافع عنه آخرون ، وقتل رجل خياط من سوق الثلاثاء ، وجرح آخرون وثارت الفتنة ، وكتب الشيخ أبو إسحاق إلى وأبو بكر الشاشي نظام الملك فجاء كتابه إلى فخر الدولة ينكر ما وقع ويكره أن ينسب إلى المدرسة التي بناها شيء من ذلك ، وعزم الشيخ أبو إسحاق على الرحلة من بغداد غضبا مما وقع من الشر ، فأرسل إليه الخليفة يسكنه ثم جمع بينه وبين الشريف أبي جعفر وأبي سعد الصوفي عند الوزير ، فأقبل الوزير على وأبي نصر بن القشيري أبي جعفر يعظمه في الفعال والمقال ، وقام إليه الشيخ أبو إسحاق فقال : أنا ذلك الذي كنت تعرفه وأنا شاب وهذه كتبي في الأصول ، أقول فيها خلافا للأشعرية ثم قبل رأسه فقال له أبو جعفر : صدقت ، إلا أنك لما كنت فقيرا لم تظهر لنا ما في نفسك ، فلما جاء الأعوان والسلطان وخواجا بزرك يعني نظام الملك أبديت ما كان مختفيا في نفسك ، وقام الشيخ أبو سعد الصوفي فقبل رأس الشريف أبي جعفر أيضا ، وتلطف به فالتفت إليه مغضبا وقال : أيها الشيخ أما الفقهاء إذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل ، وأما أنت فصاحب لهو وسماع وتعبير فمن زاحمك منا على باطلك؟ ثم قال : أيها الوزير : أي صلح بيننا ، ونحن نوجب ما نعتقده وهم يحرمون؟! وهذا جد الخليفة القائم ، والقادر قد أظهرا اعتقادهما للناس على رءوس الأشهاد على مذهب أهل السنة والجماعة والسلف ونحن على ذلك كما وافق عليه العراقيون والخراسانيون وقرئ على الناس في الدواوين [ ص: 61 ] كلها ، فأرسل الوزير إلى الخليفة يعلمه بما جرى فجاء الجواب بشكر الجماعة وخصوصا الشريف أبا جعفر ، ثم استدعي إلى دار الخلافة للسلام عليه والتبرك بدعائه .
قال : وفى ذي القعدة منها كثرت الأمراض في الناس ببغداد وواسط والسواد وورد الخبر بأن الشام كذلك ابن الجوزي
وفي هذا الشهر أزيلت المنكرات والبغايا ببغداد وهرب الفساق منها ، وفيها ملك حلب نصر بن محمود بن مرداس بعد وفاة أبيه
وفيها تزوج الأمير علي بن أبي منصور بن فرامرز بن علاء الدولة بن كالويه الست أرسلان خاتون بنت داود عمة السلطان ملكشاه ، وكانت زوجة القائم بأمر الله
وفيها حاصر الأقسيس صاحب دمشق مصر وضيق على صاحبها المستنصر بالله ثم كر راجعا إلى دمشق . وحج بالناس فيها الأمير ختلغ التركي مقطع الكوفة .