ذكر تركته ، وشيء من ترجمته  
قال العماد وغيره : لم يترك في خزانته من الذهب سوى جرم واحد   [ ص: 655 ] صوري وستة وثلاثين درهما . وقال غيره : سبعة وأربعين درهما ، ولم يترك دارا ولا عقارا ولا مزرعة ولا بستانا ، ولا شيئا من أنواع الأملاك . هذا وله من الأولاد سبعة عشر ذكرا وابنة واحدة ، وتوفي له في بعض حياته غيرهم ، والذين تأخروا بعده ستة عشر ذكرا ، أكبرهم الملك الأفضل نور الدين علي  ، ولد بمصر  سنة خمس وستين ليلة عيد الفطر ، ثم العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان  ولد بمصر  أيضا في جمادى الأولى سنة سبع وستين ، ثم الظافر مظفر الدين أبو العباس الخضر  ، ولد بمصر  في شعبان سنة ثمان وستين ، وهو شقيق الأفضل  ، ثم الظاهر غياث الدين أبو منصور غازي  ، ولد بمصر  في نصف رمضان سنة ثمان وستين ، ثم المعز فتح الدين أبو يعقوب إسحاق  ، ولد بدمشق  في ربيع الأول سنة سبعين ، ثم نجم الدين أبو الفتح مسعود  ، ولد بدمشق  سنة إحدى وسبعين ، وهو شقيق العزيز  ، ثم الأغر شرف الدين أبو يوسف يعقوب  ، ولد بمصر  سنة ثنتين وسبعين ، وهو شقيق العزيز  أيضا ، ثم الزاهر مجير الدين أبو سليمان داود  ، ولد بمصر  سنة ثلاث وسبعين ، وهو شقيق الظاهر  ، ثم أبو الفضل قطب الدين موسى  ، وهو شقيق الأفضل  ، ولد بمصر  سنة ثلاث وسبعين أيضا ، ثم لقب بالمظفر ، ثم الأشرف معز الدين أبو عبد الله محمد  ، ولد بالشام  سنة خمس وسبعين ، ثم المحسن ظهير الدين أبو العباس أحمد    ; ولد بمصر  سنة سبع وسبعين ، وهو شقيق الذي قبله ، ثم المعظم فخر الدين أبو منصور تورانشاه  ، ولد بمصر  في ربيع الأول سنة سبع وسبعين ، وتأخرت وفاته إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة ، ثم الجوال ركن الدين أبو سعيد أيوب  ولد سنة ثمان وسبعين ، وهو شقيق للمعز  ،   [ ص: 656 ] ثم الغالب نصير الدين أبو الفتح ملكشاه  ، ولد في رجب سنة ثمان وسبعين وهو شقيق المعظم  ، ثم المنصور أبو بكر  أخو المعظم لأبويه ، ولد بحران  بعد وفاة السلطان ، ثم عماد الدين شاذي  لأم ولد ، ونصرة الدين مروان  لأم ولد أيضا . وأما البنت فهي مؤنسة خاتون  تزوجها ابن عمها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب  ، رحمهم الله تعالى . 
وإنما لم يخلف أموالا ولا أملاكا ; لكثرة عطاياه وهباته وصدقاته وإحسانه إلى أمرائه ووزرائه وأوليائه ، حتى إلى أعدائه ، وقد أسلفنا ما يدل على كثير من ذلك ، رحمه الله ، وقد كان متقللا في ملبسه ، ومأكله ، ومشربه ، ومركبه ، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف ، ولا يعرف أنه تخطى مكروها بعد أن أنعم الله عليه بالملك ، بل كان همه الأكبر ومقصوده الأعظم نصر الإسلام ، وكسر الأعداء اللئام ، ويعمل فكره في ذلك ورأيه وحده مع من يثق برأيه ليلا ونهارا ، سرا وجهارا . 
وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل ، والفوائد الفرائد ، في اللغة والأدب ، وأيام الناس ، حتى قيل : إنه كان يحفظ الحماسة بتمامها وختامها . وكان مواظبا على الصلوات في أوقاتها في جماعة ، يقال : إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل حتى ولا في مرض موته ، كان يدخل الإمام فيصلي به فكان يتجشم القيام مع ضعفه ، رحمه الله . 
وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة ، ويشارك في ذلك   [ ص: 657 ] مشاركة قريبة حسنة ، وإن لم يكن بالعبارة المصطلح عليها ، وكان قد جمع له القطب النيسابوري  عقيدة فكان يحفظها ، ويحفظها من عقل من أولاده ، وكان يحب سماع القرآن العظيم ، ويواظب على سماع الحديث حتى إنه سمع في بعض المصافات جزءا ، وهو بين الصفين ، فكان يتبجح بذلك ويقول : هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثا . وكان ذلك بإشارة العماد الكاتب . 
وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند سماع الحديث ، كثير التعظيم لشعائر الدين ; كان قد لجأ إلى ولده الظاهر  ، وهو بحلب  ، شاب يقال له : الشهاب السهروردي  ، وكان يعرف الكيميا وشيئا من الشعبذة ، والأبواب النيرنجيات ، فافتتن به ولد السلطان الظاهر  ، وقربه وأحبه ، وخالف فيه حملة الشرع ، فكتب إليه أن يقتله لا محالة فصلبه عن أمر والده ، وشهره ، ويقال : بل حبسه بين حائطين حتى مات كمدا ، وذلك في سنة ست وثمانين وخمسمائة . 
وكان السلطان صلاح الدين  ، رحمه الله ، من أشجع الناس وأقواهم بدنا وقلبا ، مع ما كان يعتري جسمه من الأمراض والأسقام ، ولاسيما وهو مرابط مصابر مثابر عند عكا    ; فإنه كان مع كثرة جموعهم وأمدادهم لا يزيده ذلك إلا قوة وشجاعة ، وقد بلغت جموعهم خمسمائة ألف مقاتل ، ويقال : ستمائة ألف . وكان جملة من قتل منهم مائة ألف مقاتل . 
 [ ص: 658 ] ولما انفصل الحال ، وتسلموا عكا  وقتلوا أكثر من كان بها ، وساروا برمتهم نحو بيت المقدس    ; جعل يسايرهم منزلة منزلة ، ومرحلة مرحلة وجيوشهم أضعاف أضعاف من معه ، ومع هذا نصره الله وخذلهم ، وأيده وقتلهم ، وسبقهم إلى البيت المقدس  ، فصانه وحماه ، وشيد بنيانه ، وأطد أركانه ، وصان حماه ولم يزل بجيشه مقيما به يرهبهم ويرعبهم ، ويغلبهم ويسلبهم ويكسرهم ويأسرهم ، حتى تضرعوا إليه ، وخضعوا لديه ، ودخلوا عليه أن يصالحهم ويتاركهم ، وتضع الحرب أوزارها بينهم وبينه فأجابهم إلى ما سألوا على الوجه الذي أراده ، لا ما يريدونه ، وكان ذلك من جملة الرحمة التي خص بها المؤمنون ; فإنه ما انقضت تلك السنون حتى ملك البلاد أخوه أبو بكر العادل  ، فعز به المسلمون ، وذل به الكافرون . 
وكان رحمه الله سخيا كريما حييا ضحوك الوجه كثير البشر ، لا يتضجر من خير يفعله ، شديد المصابرة والمثابرة على الخيرات والطاعات فرحمه الله ، وأسكنه الجنات . وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة  طرفا صالحا من سيرته وأيامه ، وعدله في سريرته وعلانيته ، وأحكامه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					