فصل
كان السلطان الملك صلاح الدين قد قسم البلاد بين أولاده ، فالديار المصرية لولده العزيز عماد الدين عثمان أبي الفتح ، وبلاد دمشق وما حولها لولده الأفضل نور الدين علي ، وهو أكبر أولاده كلهم ، والمملكة الحلبية لولده الظاهر [ ص: 659 ] غازي غياث الدين ، ولأخيه العادل الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلاد كثيرة قاطع الفرات ، وحماة ومعاملة أخرى معها للملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر ابن أخي السلطان ، وحمص والرحبة وغيرها ، عم لأسد الدين بن شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه الكبير صلاح الدين أخي أبيه نجم الدين أيوب ، واليمن بمعاقله ومخاليفه جميعه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي السلطان صلاح الدين ، وبعلبك وأعمالها للأمجد ، بهرام شاه بن فروخشاه وبصرى وأعمالها ، ثم شرعت الأمور بعد للظافر بن الناصر صلاح الدين تضطرب وتختلف وتتفاقم في جميع هذه الأحوال ، حتى آل الأمر إلى ما آل إليه ، واستقرت الممالك ، واجتمعت المحافل على أخي السلطان ، موت الملك العادل ، وصارت المملكة في أولاده الأماجد الأفاضل ، كما سنوضحه قريبا ، إن شاء الله تعالى .
وفي هذه السنة جدد الخليفة الناصر لدين الله خزانة كتب المدرسة النظامية ببغداد ، ونقل إليها ألوفا من الكتب الحسنة المثمنة .
وجرت ببغداد في المحرم من هذه السنة كائنة غريبة ; وهي أن ابنة لرجل من التجار في الطحين تعشقت لغلام أبيها ، فلما علم أبوها بأمرها طرد الغلام من داره ، فواعدته البنت ذات ليلة ، فجاء مختفيا ، فتركته في بعض الدار ، ونزل في أثناء الليل ، فقتل أباها مولاه ، وأمرته الجارية بقتل أمها ، فقتلها وهي حبلى ، وأعطته الجارية حليا بقيمة ألفي دينار ، فأصبح أمره عند الشرطة فمسك وقتل قبحه الله وإياها ، وقد كان سيده من خيار الناس ، وأكثرهم صدقة وبرا ، وكان شابا وضيء الوجه ، رحمه الله .
[ ص: 660 ] وفيها درس بالمدرسة الجديدة عند قبر معروف الكرخي الشيخ أبو علي النوقاني ، وحضر عنده القضاة والأعيان ، وعمل بها دعوة حافلة .