ست الشام
واقفة المدرستين البرانية والجوانية الخاتون الجليلة وفيها توفي من الأعيان : ست الشام بنت أيوب بن شاذي ، أخت الملوك وعمة أولادهم ، كان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكا ، منهم شقيقها المعظم توران شاه بن أيوب صاحب اليمن ، وهو مدفون عندها في تربتها في القبر القبلي من الثلاثة ، وفي الأوسط منها زوجها وابن عمها صاحب ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي حمص ، وكانت قد تزوجته بعد أبي ابنها حسام الدين عمر بن لاجين ، وهي وابنها حسام الدين محمد بن عمر في القبر الثالث ، وهو الذي يلي مكان الدرس ، ويقال للتربة والمدرسة : الحسامية ، نسبة إلى ابنها هذا حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين .
[ ص: 84 ] وكانت ست الشام من أكثر النساء صدقة وإحسانا إلى الفقراء والمحاويج ، وكانت تعمل في كل سنة في دارها بألوف من الذهب أشربة وأدوية وعقاقير وغير ذلك ، وتفرقه على الناس . وكانت وفاتها يوم الجمعة آخر النهار السادس عشر من ذي القعدة من هذه السنة في دارها التي جعلتها مدرسة ، وهي عند المارستان ، وهي الشامية الجوانية ، ونقلت منها إلى تربتها بالشامية البرانية ، وكانت جنازتها عظيمة حافلة ، رحمها الله .
أبو البقاء صاحب " الإعراب " و " اللباب "
الضرير النحوي الحنبلي ، عبد الله بن الحسين بن عبد الله ، الشيخ أبو البقاء العكبري صاحب إعراب القرآن العزيز ، وكتاب " اللباب " في النحو ، وله حواش على " المقامات " ، و " مفصل " وديوان الزمخشري " ، المتنبي " ، وغير ذلك ، وله في الحساب وغيره ، وكان صالحا دينا ، مات وقد قارب الثمانين ، رحمه الله ، وكان إماما في اللغة والحساب والنحو ، فقيها مناظرا عارفا بالأصلين والفقه ، وحكى القاضي ابن خلكان عنه أنه ذكر في شرح " المقامات " أن عنقاء مغربا كانت تأتي إلى جبل شاهق عند أصحاب الرس ، فربما اختطفت بعض أولادهم ، فشكوها إلى نبيهم حنظلة بن صفوان ، فدعا عليها فهلكت . قال : وكان وجهها كوجه الإنسان ، وفيها شبه من كل طائر . وذكر في كتاب " ربيع الأبرار " [ ص: 85 ] أنها كانت في زمن الزمخشري موسى لها أربعة أجنحة من كل جانب ، ووجه كوجه الإنسان ، وفيها شبه كثير من سائر الحيوان ، وأنها تأخرت إلى زمن خالد بن سنان العبسي الذي كان في الفترة ، فدعا عليها فهلكت . وذكر ابن خلكان أن المعز الفاطمي جيء إليه بطائر غريب الشكل من الصعيد ، يقال له : عنقاء مغرب .
قلت : وكل واحد من خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان كان في زمن الفترة ، وكان صالحا ، ولم يكن نبيا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم; لأنه ليس بيني وبينه نبي وقد تقدم ذلك .
الحافظ عماد الدين أبو القاسم ، علي بن الحافظ بهاء الدين أبي محمد القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي ، سمع الكثير ، ورحل فمات ببغداد في هذه السنة ، ومن لطيف شعره قوله في المروحة :
ومروحة تروح كل هم ثلاثة أشهر لابد منها حزيران وتموز وآب
وفي أيلول يغنى الله عنها
[ ص: 86 ] وسعيد بن الرزاز ، وكان أحد المعدلين ببغداد ، وسمع من البخاري . أبي الوقت
وأبو سعيد محمد بن محمود بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الأصل الهمذاني المولد البغدادي المنشأ والوفاة ، كان حسن الشكل ، كامل الأوصاف ، له خط حسن ، ويعرف فنونا كثيرة من العلوم ، شافعي المذهب ، ويتكلم في مسائل الخلاف ، حسن الأخلاق ، ومن شعره قوله :
أرى قسم الأرزاق أعجب قسمة لذي دعة مثر ومكد به الكد
وأحمق ذو مال وأحمق معدم وعقل بلا حظ وعقل له جد
يعم الغنى والفقر ذا الجهل والحجا ولله من قبل الأمور ومن بعد
ابن المفرج بن درع بن الخضر الشافعي ، الشيخ تاج الدين التكريتي ، قاضيها ، ثم درس بنظامية بغداد ، وكان متقنا لعلوم كثيرة; منها التفسير والفقه والأدب والنحو واللغة ، وله المصنفات في ذلك كله ، [ ص: 87 ] وجمع لنفسه تاريخا حسنا ، ومن شعره قوله :
لابد للمرء من ضيق ومن سعة ومن سرور يوافيه ومن حزن
والله يطلب منه شكر نعمته ما دام فيها ويبغي الصبر في المحن
فكن مع الله في الحالين معتنقا فرضيك هذين في سر وفي علن
فما على شدة يبقى الزمان فكن جلدا ولا نعمة تبقى على الزمن
لو كان قاضي الهوى علي ولي ما جار في الحكم من علي ولي
يا يوسفي الجمال عبدك لم تبق له حيلة من الحيل
إن كان قد القميص من دبر ففيك قد الفؤاد من قبل
الشيخ الإمام العلامة جلال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار بن عشائر بن عبد الله بن محمد بن شاس الجذامي السعدي الفقيه المالكي ، مصنف كتاب " الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة " ، وهو من أكثر الكتب فوائد في الفروع ، رتبه على طريقة " الوجيز " . قال للغزالي ابن خلكان : وفيه دلالة على غزارة علمه وفضله ، والطائفة المالكية بمصر عاكفة عليه لحسنه وكثرة فوائده ، وكان مدرسا بمصر ، وتوفي بدمياط .