[ ص: 557 ] ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة
كان أولها يوم الأحد ، والخليفة والسلطان هما المذكوران في التي قبلها . وقد اتفق في هذه السنة أمور عجيبة وذلك أنه وقع الخلف بين الممالك كلها ، التتار فيما بينهم واقتتلوا ، فقتل منهم خلق كثير ، اختلفت الفرنج في السواحل ، وصال بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضا ، وكذلك واختلفت الفرنج الذين في داخل البحور وجزائرها اختلفوا واقتتلوا ، واقتتلت قبائل الأعراب بعضها في بعض قتالا شديدا ، وكذلك وقع الخلف بين العشير من الحوارنة ، وقامت الحرب بينهم على ساق ، وكذلك وقع الخلف بين الأمراء الظاهرية بسبب أن السلطان الملك السعيد بن الظاهر لما بعث الجيش إلى سيس أقام بعده بدمشق ، وأخذ في اللهو واللعب والانبساط مع الخاصكية ، وتمكنوا من الأمور ، وبعد عنه الأمراء الكبار ، فعصت طائفة منهم ونابذوه وفارقوه ، وأقاموا بطريق العساكر الذين توجهوا إلى سيس وغيرهم ، فرجعت العساكر إليهم فلما اجتمعوا شعثوا قلوبهم على الملك السعيد ، ووحشوا خواطر الجيش عليه ، وقالوا : الملك لا ينبغي له أن يلعب ولا يلهو ، وإنما همة الملوك في العدل ومصالح المسلمين ، والذب عن حوزتهم كما كان أبوه . ثم راسله الجيش في إبعاد [ ص: 558 ] الخاصكية عنه ودنو ذوي الأحلام والنهى إليه كما كان أبوه يفعل ، فلم يقبل ، وذلك كان لا يمكنه ذلك; لقوة شوكةالخاصكية وكثرتهم ، فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر ، ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها ، فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان أمه إليهم ، فتلقوها وقبلوا الأرض بين يديها ، فأخذت تتألفهم وتصلح الأمور ، فأجابوها واشترطوا شروطا على ولدها السلطان ، فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ، ولم تمكنه الخاصكية من ذلك ، فسارت العساكر إلى الديار المصرية ، فساق السلطان خلفهم ليتلافى الأمور قبل تفاقمها ، فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة ، وقد كان أرسل أهله وأولاده وثقله إلى الكرك ، فحصنهم فيها ، وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية قاصدا الديار المصرية ، فلما اقترب منها صدوه عنها ، وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير ، فأخذه بعض الأمراء ، فشق به الصفوف ، وأدخله قلعة الجبل ليسكن الأمر ، فما زادهم ذلك إلا نفورا ، فحاصروا حينئذ القلعة ، وقطعوا عنها الماء وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة . ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي - وهو المشار إليه حينئذ - على أن يترك الملك السعيد الملك ، ويتعوض بالكرك والشوبك ، ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر ، وتكون المملكة إلى أخيهما الصغير بدر الدين سلامش ، ويكون الأمير سيف الدين قلاوون أتابكه .