[ ص: 616 ] ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وستمائة 
فيها كان فتح مدينة طرابلس   ، وذلك أن السلطان قلاوون  قدم بالجيوش المنصورة المصرية  في صحبته إلى دمشق  فدخلها في الثالث عشر من صفر ، ثم صار بهم وبجيش دمشق  وصحبته خلق كثير من المطوعة; منهم القاضي نجم الدين الحنبلي  قاضي الحنابلة ، وخلق من المقادسة  وغيرهم ، فنازل طرابلس  يوم الجمعة مستهل ربيع الأول ، وحاصرها بالمجانيق حصارا شديدا ، وضيقوا على أهلها تضييقا عظيما ، ونصب عليها تسعة عشر منجنيقا ، فلما كان يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر فتحت طرابلس  في الساعة الرابعة من النهار عنوة ، وشمل القتل والأسر جميع من فيها ، وغرق كثير من أهل الميناء ونهبت الأموال ، وسبيت النساء والأطفال ، وأخذت الذخائر والحواصل ، وقد كان لها في أيدي الفرنج  من سنة ثلاث وخمسمائة إلى هذا التاريخ ، كان الملك صنجيل  الفرنج  حاصرها سبع سنين حتى ظفر بها كما ذكرنا ، وقد كانت قبل ذلك في أيدي   [ ص: 617 ] المسلمين من زمان معاوية ،  فقد فتحها سفيان بن مجيب لمعاوية ،  فأسكنها معاوية  اليهود ،  ثم كان  عبد الملك بن مروان  جدد عمارتها ، وحصنها وأسكنها المسلمين ، وصارت آمنة عامرة مطمئنة ، وبها ثمار الشام  ومصر ،  فإن بها الجوز والموز والثلج والقصب ، والمياه جارية فيها تصعد إلى أمكنة عالية ، وقد كانت قبل ذلك ثلاث مدن متقاربة ، ثم صارت بلدا واحدا ، ثم حولت من موضعها كما سيأتي الآن . ولما وصلت البشارة إلى دمشق  دقت البشائر ، وزينت البلاد ، وفرح الناس فرحا شديدا ، ولله الحمد والمنة . 
ثم أمر السلطان الملك المنصور قلاوون  أن تهدم البلد بما فيها من العمائر والدور والأسوار الحصينة التي كانت عليها ، وأن يبنى على ميل منها بلدة غيرها أمكن منها وأحسن ، ففعل ذلك ، فهي هذه البلدة التي يقال لها : طرابلس  التي جعلها الله تعالى دار أمان وإيمان . 
ولما فرغ السلطان من فتح طرابلس  عاد إلى دمشق  مؤيدا منصورا مسرورا محبورا ، فدخلها يوم النصف من جمادى الآخرة ، ولكنه فوض الأمور والكلام في الأموال إلى علم الدين الشجاعي ،  فصادر جماعة وجمع أموالا كثيرة ، وحصل بسبب ذلك أذى الخلق ، وبئس هذا الصنيع; لأن ذلك تعجيل لدمار الظالم وهلاكه ، فلم يغن عن المنصور  ما جمع له الشجاعي  من الأموال شيئا ، فإنه لم يعش بعد ذلك إلا اليسير حتى أخذه الله ، كما سيأتي . ثم سافر السلطان في ثاني شعبان بجيشه إلى الديار المصرية ،  فدخلها في أواخر شعبان . 
 [ ص: 618 ] وفيها فتحت قلاع كثيرة بناحية حلب;  كركر  وتلك النواحي ، وكسرت طائفة من التتر  هناك ، وقتل ملكهم خربندا  نائب التتر  على ملطية    . 
وفيها تولى الحسبة بدمشق  جمال الدين يوسف بن التقي توبة التكريتي ،   ثم أخذها بعد شهور تاج الدين الشيرازي    . 
وفيها وضع منبر عند محراب الصحابة بسبب عمارة كانت في المقصورة ، فصلى برهان الدين الإسكندري  نائب الخطيب بالناس هناك مدة شهر الجماعات والجمعات ، ابتدءوا ذلك من يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة . 
				
						
						
