[ ص: 683 ] ثم دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة 
استهلت وخليفة الوقت الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي ،  وسلطان البلاد الملك العادل زين الدين كتبغا ،  ونائبه بمصر  الأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصوري ،  ووزيره فخر الدين بن الخليلي ،  وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها ، ونائب الشام  عز الدين الحموي ،  ووزيره تقي الدين توبة ،  وشاد الدواوين الأعسر ،  وخطيب البلد وقاضيها ابن جماعة    . 
وفي المحرم ولي نظر الأيتام نجم الدين بن هلال  عوضا عن شرف الدين بن الشيرجي    . 
وفي مستهل هذه السنة كان الغلاء والفناء بديار مصر   شديدا جدا ، وقد تفانى الناس إلا القليل ، وكانوا يحفرون الحفيرة ، فيدفنون فيها الفئام من الناس ، والأسعار في غاية الغلاء ، والأقوات في غاية القلة والغلاء ، والموت عمال ، فمات بها في شهر صفر مائة ألف ونحو من ثلاثين ألفا ، ووقع غلاء بالشام ،  فبلغت الغرارة إلى مائتين ، وقدمت طائفة من التتر  العويراتية لما بلغهم سلطنة كتبغا إلى الشام; لأنه منهم ، فتلقاهم الجيش بالرحب والسعة ، ثم سافروا إلى الديار المصرية  مع الأمير قراسنقر المنصوري    . 
 [ ص: 684 ] وجاء الخبر باشتداد الغلاء والفناء بمصر ،  حتى قيل : إنه بيع الفروج بالإسكندرية  بستة وثلاثين درهما ، وبالقاهرة  بتسعة عشر ، والبيض  كل ثلاثة بدرهم ، وأفنيت الحمر والخيل والبغال والكلاب من أكل الناس لها ، ولم يبق شيء من هذه الحيوانات يلوح إلا أكلوه . 
وفي يوم السبت الثاني عشر من جمادى الأولى ولي قضاء القضاة بمصر  الشيخ العلامة تقي الدين بن دقيق العيد   عوضا عن تقي الدين ابن بنت الأعز ،  ثم وقع الرخص بالديار المصرية ،  وزال الضر والجوع في جمادى الآخرة ، ولله الحمد . 
وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب درس القاضي إمام الدين  بالقيمرية عوضا عن صدر الدين بن رزين  الذي توفي . 
قال البرزالي    : وفيها وقعت صاعقة على قبة زمزم ، فقتلت الشيخ علي بن محمد بن عبد السلام  مؤذن المسجد الحرام ،  كان يؤذن على سطح القبة المذكورة ، وكان قد روى شيئا من الحديث . 
وفيها قدمت امرأة الملك الظاهر أم سلامش  من بلاد الأشكري  إلى دمشق  في أواخر رمضان ، فبعث إليها نائب البلد بالهدايا والتحف ، ورتب لها الرواتب والإقامات ، وكان قد نفاهم خليل بن المنصور  لما ولي السلطنة . 
قال ابن الجزري    : وفي رجب درس كمال الدين بن القلانسي  بالظاهرية البرانية عوضا عن جلال الدين القزويني    . 
وفي يوم الأربعاء سابع عشر شعبان درس الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام   [ ص: 685 ] تقي الدين ابن تيمية الحراني  بالمدرسة الحنبلية عوضا عن الشيخ زين الدين بن المنجا ،  توفي إلى رحمة الله ، ونزل ابن تيمية  عن حلقة العماد بن المنجا لشمس الدين بن الفخر البعلبكي    . 
وفي أواخر شوال ناب القاضي جمال الدين الزرعي  الذي كان حاكما بزرع - وهو سليمان بن عمر بن سالم الأذرعي    - عن ابن جماعة  بدمشق ،  فشكرت سيرته . 
وفيها خرج السلطان كتبغا  من مصر  قاصدا الشام  في أواخر شوال ، ولما جاء البريد بذلك ضربت البشائر بالقلعة ، ونزلوا بالقلعة; السلطان ونائبه لاجين  ووزيره ابن الخليلي    . 
وفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة ولي قضاء الحنابلة الشيخ تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي  عوضا عن شرف الدين ،  مات رحمه الله ، وخلع عليه وعلى بقية الحكام وأرباب الولايات الكبار وأكابر الأمراء ، وولي نجم الدين بن أبي الطيب  وكالة بيت المال عوضا عن ابن الشيرازي ،  وخلع عليه مع الجماعة . ورسم على الأعسر وجماعة من أصحابه وخلق من الكتبة والولاة ، وصودروا بمال كثير ، واحتيط على أموالهم وحواصلهم ، وعلى بيت ابن السلعوس  وابن عدنان  وخلق ، وجرت خبطة عظيمة . وقدم ابنا الشيخ علي الحريري;  حسن  وشيث  من بسر  لزيارة السلطان ، فحصل لهما منه رفد   [ ص: 686 ] وإسعاف ، وعادا إلى بلادهما . وضيفت القلندرية السلطان بسفح جبل المزة ،  فأعطاهم نحوا من عشرة آلاف . وقدم صاحب حماة  إلى خدمة السلطان ، ولعب معه الكرة بالميدان . واشتكت الأشراف من نقيبهم زين الدين بن عدنان ،  فرفع الصاحب يده عنهم ، وجعل أمرهم إلى القاضي الشافعي . فلما كان يوم الجمعة الثامن والعشرون من ذي القعدة صلى السلطان الملك العادل كتبغا  بمقصورة الخطابة ، وعن يمينه صاحب حماة ،  وتحته بدر الدين أمير سلاح ،  وعن يساره أولاد  الحريري  حسن  وأخواه ، وتحتهم نائب المملكة حسام الدين لاجين ،  وإلى جانبه نائب الشام  عز الدين الحموي ،  وتحته بدر الدين بيسري ،  وتحته قراسنقر ،  وإلى جانبه الحاج بهادر ،  وخلفهم أمراء كبار ، وخلع على الخطيب بدر الدين بن جماعة  خلعة سنية ، ولما قضيت الصلاة سلم على السلطان ، وزار السلطان المصحف العثماني ، ثم أصبح يوم السبت ، فلعب الكرة بالميدان على العادة . 
وفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة عزل الأمير عز الدين الحموي عن النيابة ، وعاتبه السلطان عتابا كثيرا على أشياء صدرت منه ، ثم عفا عنه ، وأمره بالمسير معه إلى مصر ،  واستناب بالشام  الأمير سيف الدين غرلو العادلي ،  وخلع على   [ ص: 687 ] المولى وعلى المعزول أيضا ، وحضر السلطان دار العدل ، وحضر عنده الوزير والقضاة والأمراء ، وكان عادلا كما سمي . 
وفيه تولى الوزارة شهاب الدين الحنفي   عوضا عن التقي بن البيع التكريتي ،  وولي تقي الدين بن شهاب الدين  الحسبة عوضا عن أبيه وخلع عليهما . 
ثم سافر السلطان في ثاني عشر ذي الحجة واجتاز على جوسية ، ثم أقام بالبرية  أياما ، ثم عاد فنزل حمص  ، وجاء إليه نواب البلاد . وجلس الأمير سيف الدين غرلو  بدار العدل ، فحكم وعدل ، وكان محمود السيرة ، سديد الحكم ، رحمه الله تعالى . 
				
						
						
