[ ص: 16 ] ثم دخلت سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها .
وفي يوم الأربعاء ثاني صفر منها أرواد بالقرب من أنطرطوس ، وكانت من أضر الأماكن على أهل السواحل ، فجاءتها مراكب من فتحت جزيرة الديار المصرية في البحر ، وارد فيها جيوش طرابلس ، ففتحت - ولله الحمد - إلى نصف النهار ، وقتلوا من أهلها قريبا من ألفين ، وأسروا قريبا من خمسمائة ، ودقت البشائر بدمشق ثلاثة أيام سرورا وفرحا ، وكان فتحها من تمام فتح السواحل ، وأراح الله المسلمين من شر أهلها .
وفي يوم الخميس سابع عشر صفر وصل البريد إلى دمشق ، فأخبر بوفاة قاضي القضاة ابن دقيق العيد ، ومعه كتاب السلطان إلى قاضي القضاة بدر الدين [ ص: 17 ] بن جماعة ، فيه تعظيم له ، واحترام وإكرام ، يستدعيه إلى قربه ؛ ليباشر وظيفة القضاء بمصر على عادته ، فتهيأ لذلك ، ولما عزم ، خرج معه نائب السلطنة الأفرم ، وأهل الحل والعقد ، وأعيان الناس ليودعوه ، وستأتي ترجمة ابن دقيق العيد في الوفيات . ولما وصل ابن جماعة إلى مصر أكرمه السلطان إكراما زائدا ، وخلع عليه خلعة صوف ، وبغلة تساوي ثلاثة آلاف درهم ، وباشر الحكم بمصر يوم السبت رابع ربيع الأول . ووصلت رسل التتار في أواخر ربيع الأول قاصدين بلاد مصر .
وباشر شرف الدين الفزاري مشيخة دار الحديث الظاهرية يوم الخميس ثامن ربيع الآخر عوضا عن شرف الدين الناسخ ، وهو أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا إمام الدين القارسي ، توفي بها عن سبعين سنة ، وكان فيه بر ومعروف ، وله أخلاق حسنة ، رحمه الله تعالى ، وذكر الشيخ شرف الدين المذكور درسا مفيدا ، وحضر عنده جماعة من الأعيان .
وفي يوم الجمعة حادي عشرين جمادى الأولى خلع على قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بقضاء الشام عوضا عن ابن جماعة ، وعلى الشيخ زين الدين الفارقي بالخطابة ، وعلى الأمير ركن الدين بيبرس [ ص: 18 ] التلاوي بشد الدواوين ، وهنأهم الناس ، وحضر نائب السلطنة والأعيان المقصورة لسماع الخطبة ، وقرئ تقليد ابن صصرى بعد الصلاة ، ثم جلس في الشباك الكمالي ، وقرئ تقليده مرة ثانية .
وفي جمادى الأولى وقع بيد نائب السلطنة كتاب مزور ، فيه أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، والقاضي شمس الدين بن الحريري ، وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة ، يناصحون التتر ويكاتبوهم ، ويريدون تولية قبجق على الشام ، وأن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني يعلمهم بأحوال الأمير جمال الدين آقوش الأفرم ، وكذلك كمال الدين بن العطار ، فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف أن هذا مفتعل ، ففحص عن واضعه ، فإذا هو فقير كان مجاورا بالبيت الذي كان إلى جانب محراب الصحابة ، يقال له : اليعفوري ، وآخر معه يقال له : أحمد الفناري ، وكانا معروفين بالشر والفضول ، ووجد معهما مسودة هذا الكتاب ، فتحقق نائب السلطنة ذلك ، فعزرا تعزيرا عنيفا ، ثم وسطا بعد ذلك في مستهل جمادى الآخرة ، وقطعت يد الكاتب الذي كتب لهما هذا الكتاب ، وهو التاج بن المناديلي . وفي أواخر جمادى الأولى انتقل الأمير سيف [ ص: 19 ] الدين بلبان الجوكندار المنصوري إلى نيابة القلعة عوضا عن أرجواش .