بيان تقدم مدة هذا الباب وزيادتها على مدة أربعة آلاف سنة بل يقارب الخمسة
ذكر الحافظ في أول " تاريخه " باب بناء ابن عساكر دمشق بسنده عن القاضي الحاكم بها في الزمن المتقدم - وقد كان هذا القاضي من تلاميذ يحيى بن حمزة البتلهي أبي عمرو الأوزاعي - قال : لما فتح عبد الله بن علي دمشق بعد حصارها - يعني : وانتزعها من أيدي بني أمية ، وسلبهم ملكهم - هدموا سور دمشق ، فوجدوا حجرا مكتوبا عليه باليونانية ، فجاءوا براهب فقرأه لهم ، فإذا هو مكتوب عليه : ويك إرم الجبابر ، من رامك بسوء قصمه الله ، إذا وهى منك جيرون الغربي من باب البريد ، ويلك من خمسة أعين ، نقض سورك على يديه بعد أربعة آلاف سنة تعيشين رغدا ، فإذا وهى منك جيرون الشرقي أديل لك ممن يعرض لك . قال : فوجدنا الخمسة أعين : عبد الله بن [ ص: 542 ] علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، عين بن عين بن عين بن عين بن عين . فهذا يقتضي أنه كان بسورها سنينا إلى حين إخرابه على يد عبد الله بن علي أربعة آلاف سنة ، وقد كان إخرابه له في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، كما ذكرنا في " التاريخ الكبير " فعلى هذا يكون لهذا الباب إلى يوم خرب من هذه السنة - أعني : سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة - أربعة آلاف وستمائة وإحدى وعشرين سنة . والله أعلم .
وقد ذكر عن بعضهم أن ابن عساكر نوحا - عليه السلام - هو الذي أسس دمشق بعد حران ، وذلك بعد مضي الطوفان . وقيل : بناها دمسقس غلام ذي القرنين عن إشارته . وقيل : العازر الملقب بدمشق ، وهو غلام الخليل .
وقيل غير ذلك من الأقوال ، وأظهرها أنها من بناء اليونان; لأن محاريب معابدها كانت موجهة إلى القطب الشمالي ، ثم كان بعدهم النصارى فصلوا فيها إلى الشرق ، ثم كان فيها بعدهم أجمعين أمة المسلمين فصلوا إلى الكعبة المشرفة .
وذكر وغيره أن ابن عساكر كل منها يتخذ عنده عيد لهيكل من الهياكل السبعة ، فباب القمر باب السلامة ، وكانوا يسمونه باب [ ص: 543 ] الفراديس المسدود ، ولعطارد باب الفراديس الكبير ، وللزهرة باب توماء ، وللشمس الباب الشرقي ، وللمريخ باب الجابية ، وللمشتري باب الجابية الصغير ، ولزحل باب كيسان . أبوابها كانت سبعة ،
وفي أوائل شهر رجب الفرد اشتهر أن نائب حلب بيبغا آروس اتفق مع نائب طرابلس بكلمش ، ونائب حماة أمير أحمد بن مشد الشربخانه على الخروج عن طاعة السلطان حتى يمسك شيخون وطاز ، وهما عضدا الدولة بالديار المصرية ، وبعثوا إلى نائب دمشق وهو الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ، فأبى عليهم ذلك ، وكاتب إلى الديار المصرية بما وقع من الأمر ، وانزعج الناس لذلك ، وخافوا من غائلة هذا الأمر ، وبالله المستعان . ولما كان يوم الاثنين ثامن الشهر جمع نائب السلطنة الأمراء عنده بالقصر الأبلق ، واستحلفهم بيعة أخرى لنائب السلطنة الملك الصالح ، فحلفوا واتفقوا على السمع والطاعة والاستمرار على ذلك . وفي ليلة الأربعاء سابع عشر رجب جاءت الجبلية الذين جمعوهم من البقاع لأجل حفظ ثنية العقاب من قدوم العساكر الحلبية ، ومن معهم من أهل طرابلس وحماة ، وكان هؤلاء الجبلية قريبا من أربعة آلاف ، فحصل بسببهم ضرر كثير على أهل برزة وما جاورهم من الثمار وغيرها .
وفي بكرة يوم السبت العشرين منه ركب نائب السلطنة سيف الدين أرغون ، ومعه الجيوش الدمشقية قاصدين ناحية الكسوة لئلا يقاتلوا المسلمين ، ولم [ ص: 544 ] يبق في البلد من الجند أحد ، وأصبح الناس وليس لهم نائب ولا عسكر ، وخلت الديار منهم ، ونائب الغيبة الأمير سيف الدين ألجيبغا العادلي ، وانتقل الناس من البساتين ومن أطراف العقيبة وغيرها إلى المدينة ، وأكثر الأمراء نقلت حواصلهم وأهاليهم إلى القلعة المنصورة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . ولما اقترب دخول الأمير بيبغا بمن معه انزعج الناس ، وانتقل أهل القرى الذين في طريقه ، وسرى ذلك إلى أطراف الصالحية والبساتين وحواضر البلد ، وغلقت أبواب البلد إلى ما يلي القلعة; كباب النصر ، وباب الفرج ، وكذا باب الفراديس ، وخلت أكثر المحال من أهاليهم ، ونقلوا حوائجهم ، وحواصلهم ، وأنعامهم إلى البلد على الدواب والحمالين ، وبلغهم أن أطراف الجيش انتهبوا ما في القرايا في طريقهم من الشعير والتبن وبعض الأنعام للأكل ، وربما وقع فساد غير هذا من بعض الجهلة ، فخاف الناس كثيرا ، وتشوشت خواطرهم .