[ ص: 290 ] ذكر رضي الله عنها صفية بنت حيي بن أخطب النضرية ، قصة
وكان من شأنها أنه لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير من المدينة - كما تقدم - فذهب عامتهم إلى خيبر ، وفيهم حيي بن أخطب وبنو أبي الحقيق ، وكانوا ذوي أموال وشرف في قومهم ، وكانت صفية إذ ذاك طفلة دون البلوغ ، ثم لما تأهلت للتزويج ، تزوجها بعض بني عمها ، فلما زفت إليه وأدخلت عليه بنى بها ، ومضى على ذلك ليال ، رأت في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها ، فقصت رؤياها على ابن عمها ، فلطم وجهها ، وقال : أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك . فما كان إلا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصاره إياهم ، فكانت صفية في جملة السبي ، وكان زوجها في جملة القتلى . ولما اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصارت في حوزه وملكه ، كما سيأتي وبنى بها بعد استبرائها وحلها ، وجد أثر تلك اللطمة في خدها ، فسألها : " ما شأنها ؟ " فذكرت له ما كانت رأت من تلك الرؤيا الصالحة ، رضي الله عنها وأرضاها .
قال : حدثنا البخاري سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن [ ص: 291 ] ثابت ، عن أنس بن مالك قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبا من خيبر بغلس ثم قال : " الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " . فخرجوا يسعون في السكك ، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية ، وكان في السبي صفية ، فصارت إلى ، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل عتقها صداقها دحية الكلبي . ورواه مسلم أيضا من حديث حماد بن زيد - وله طرق - عن أنس .
وقال : حدثنا البخاري آدم ، عن شعبة ، عن قال : سمعت عبد العزيز بن صهيب أنس بن مالك يقول : سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية ، فأعتقها وتزوجها ، قال ثابت لأنس : ما أصدقها ؟ قال : أصدقها نفسها فأعتقها ، تفرد به من هذا الوجه . البخاري
وقال : حدثنا البخاري عبد الغفار بن داود ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن . وحدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن عمرو مولى المطلب ، عن أنس بن مالك قال : قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ، ذكر له جمال وقد قتل زوجها ، وكانت عروسا ، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ، [ ص: 292 ] فخرج بها حتى بلغ بها سد الصهباء حلت ، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صنع حيسا في نطع صغير ، ثم قال لي : " آذن من حولك " . فكانت تلك وليمته على صفية بنت حيي بن أخطب ، صفية ، ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب تفرد به دون مسلم .
وقال : حدثنا البخاري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال ، يبنى عليه بصفية ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ، وما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان فيها إلا أن أمر بلالا بالأنطاع فبسطت ، فألقى عليها التمر والأقط والسمن ، فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين ، أو ما ملكت يمينه ؟ فقالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما ارتحل وطأ لها خلفه ، ومد الحجاب انفرد به . البخاري
وقال أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد العزيز بن [ ص: 293 ] صهيب ، عن أنس بن مالك قال : صارت صفية ، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . لدحية الكلبي
وقال أبو داود : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ، عن ابن علية ، عن عبد العزيز بن صهيب أنس قال : جمع السبي - يعني بخيبر - فجاء دحية فقال : يا رسول الله ، أعطني جارية من السبي . قال : " اذهب فخذ جارية " . فأخذ ، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، أعطيت صفية بنت حيي دحية - قال يعقوب : - سيدة صفية بنت حيي قريظة والنضير ؟ ما تصلح إلا لك . قال : " ادع بها " . فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خذ جارية من السبي غيرها " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها ، وأخرجاه من حديث ابن علية
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن خلاد الباهلي ، حدثنا بهز بن أسد ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت ، عن أنس قال : وقع في سهم دحية جارية جميلة ، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها . قال حماد : وأحسبه قال : وتعتد في بيتها - . تفرد به صفية بنت حيي أبو داود . [ ص: 294 ]
قال ابن إسحاق : فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص - حصن بني أبي الحقيق - أتي وأخرى معها ، فمر بهما بصفية بنت حيي بن أخطب بلال - وهو الذي جاء بهما - على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية ، صاحت ، وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعزبوا عني هذه الشيطانة " . وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال - فيما بلغني - حين رأى بتلك اليهودية ما رأى : " أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما " . وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا . فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها : " ما هذا ؟ " فأخبرته الخبر .
قال ابن إسحاق : وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعلم مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : " أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك ؟ " قال : نعم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض [ ص: 295 ] كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " عذبه حتى تستأصل ما عنده " وكان الزبير بن العوام الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة .