كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة ; فمنهم من ارتد ومنع الزكاة ، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق ، ومنهم من توقف لينظر في أمره ، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة ، وهي من نصارى العرب ، وقد ادعت النبوة ، ومعها جنود من قومها ومن التف بهم ، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق ، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم ، وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي ، وعطارد بن حاجب ، وجماعة من سادات أمراء بني تميم ، وتخلف آخرون منهم عنها ، ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم إلا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن غزوها ، وحرضها على بني يربوع ، ثم اتفق الجميع على قتال الناس ، وقالوا : بمن نبدأ ؟ فقالت لهم فيما تسجعه : أعدوا الركاب ، واستعدوا للنهاب ، ثم أغيروا على الرباب ، فليس دونهم حجاب . ثم [ ص: 458 ] إنهم تعاهدوا على نصرها ، فقال قائل منهم :
أتتنا أخت تغلب في رجال جلائب من سراة بني أبينا وأرست دعوة فينا سفاها
وكانت من عمائر آخرينا فما كنا لنرزيهم زبالا
وما كانت لتسلم إذ أتينا ألا سفهت حلومكم وضلت
عشية تحشدون لها ثبينا
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وقد كان مسيلمة ، لعنه الله ، شرع لمن اتبعه أن العزب يتزوج ، فإذا ولد له ذكر فيحرم عليه النساء حينئذ ، إلا أن يموت ذلك الولد الذكر ، فتحل له النساء حتى يولد له ذكر ، هذا مما اقترحه ، لعنه الله ، من تلقاء نفسه . ويقال : إنه لما خلا بسجاح سألها ماذا يوحى إليها ؟ فقالت : وهل يكون النساء يبتدئن ؟ بل أنت ماذا أوحي إليك ؟ فقال : ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشا . قالت : وماذا ؟ فقال : إن الله خلق [ ص: 460 ] النساء أفراجا ، وجعل الرجال لهن أزواجا ، فنولج فيهن قعسا إيلاجا ، ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا ، فينتجن لنا سخالا إنتاجا ، فقالت : أشهد أنك نبي . فقال لها : هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب ؟ قالت : نعم . فقال :
ألا قومي إلى النيك فقد هيئ لك المضجع
فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع