[ ص: 74 ] ثم دخلت سنة ثمان وستين
ففيها مصعبا إلى إمرة البصرة ، فأتاها فأقام بها . واستخلف على رد عبد الله أخاه الكوفة ; الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قباعا ، واستعمل على المدينة جابر بن الأسود الزهري ، وعزل عنها ; لكونه ضرب عبد الرحمن بن الأشعث ستين سوطا ، فإنه أراد منه أن يبايع سعيد بن المسيب لابن الزبير فامتنع من ذلك فضربه فعزله ابن الزبير
وفيها هلك ملك الروم قسطنطين بن قسطنطين ببلده ، لعنه الله .
وفيها كانت وقعة الأزارقة . وذلك أن مصعبا كان قد عزل عن ناحية فارس ، وكان قاهرا لهم ، وولاه المهلب بن أبي صفرة الجزيرة ، وولى على فارس فثاروا عليه فقاتلهم عمر بن عبيد الله بن معمر عمر بن عبيد الله فقهرهم وكسرهم ، وكانوا مع أميرهم الزبير بن الماحوز ، ففروا بين يديه إلى إصطخر ، فاتبعهم فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وقتلوا ابنه ، ثم ظفر بهم مرة أخرى ثم هربوا إلى بلاد أصبهان ، ونواحيها فتقووا هنالك ، وكثر عددهم وعددهم ، ثم أقبلوا يريدون البصرة ، فمروا ببعض بلاد فارس ، وتركوا وراء ظهورهم ، فلما سمع عمر بن عبيد الله بن معمر مصعب بقدومهم ركب في الناس ، وجعل يلوم عمر بن عبيد الله بتركه هؤلاء يجتازون ببلاده إلى البصرة وقد ركب عمر بن عبيد الله [ ص: 75 ] بن معمر في آثارهم ، فبلغ الخوارج أن مصعبا أمامهم وعمر بن عبيد الله وراءهم ، فعدلوا إلى المدائن فجعلوا يقتلون النساء والولدان ، ويبقرون بطون الحبالى ، ويفعلون أفعالا لم يفعلها غيرهم ; فقصدهم نائب الكوفة ومعه أهلها وجماعات من أشرافها ، منهم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ابن الأشتر ، و شبث بن ربعي ، فلما وصلوا إليهم عند جسر الصراة ، قطعه الخوارج بينهم وبين الناس ، فأمر الأمير بإعادته ، فأعيد ، ففرت الخوارج هاربين بين يديه ، فاتبعهم عبد الرحمن بن مخنف في ستة آلاف فمروا على الكوفة ، ثم صاروا إلى أرض أصبهان ، فانصرف عنهم ولم يقاتلهم ، ثم أقبلوا فحاصروا عتاب بن ورقاء شهرا ، بمدينة جبا حتى ضيقوا على الناس ، فنزلوا إليهم فقاتلوهم فكشفوهم وقتلوا أميرهم الزبير بن الماحوز ، وغنموا ما في معسكرهم ، وأمرت الخوارج عليهم قطري بن الفجاءة ، ثم ساروا إلى بلاد الأهواز ، فكتب مصعب بن الزبير إلى - وهو على المهلب بن أبي صفرة الموصل - أن يسير إلى قتال الخوارج ، وكان أبصر الناس بقتالهم ، وبعث مكانه إلى الموصل فانصرف إبراهيم بن الأشتر المهلب إلى الأهواز فقاتل فيها الخوارج ثمانية أشهر قتالا لم يسمع بمثله .
قال ابن جرير : وفي هذه السنة كان القحط الشديد ببلاد الشام ; بحيث لم يتمكنوا معه من الغزو لضعفهم وقلة طعامهم وميرتهم .
[ ص: 76 ] قال ابن جرير : وفيها قتل عبيد الله بن الحر وكان من خبره أنه كان رجلا شجاعا تتقلب به الأحوال والأيام والآراء ، حتى صار من أمره أنه لا ينطاع لأحد من بني أمية ولا لآل الزبير ، وكان يمر على عامل الكورة من العراق وغيره ، فيأخذ منه جميع ما في بيت ماله من الحواصل قهرا ، ويكتب له براءة ، ويذهب فينفقه على أصحابه ، وكان الخلفاء والأمراء يبعثون إليه الجيوش فيطردها ويكسرها ، قلت أو كثرت حتى كاع فيه مصعب بن الزبير وعماله ببلاد العراق ، ثم إنه وفد على فبعثه في عشرة نفر ، وقال : ادخل عبد الملك بن مروان الكوفة فأعلمهم أن الجنود ستصل إليهم سريعا . فبعث في السر إلى جماعة من إخوانه فظهر على أمره ، فأعلم أمير الكوفة الحارث بن عبد الله ، فبعث إليه جيشا ، فقتلوه في المكان الذي هو فيه ، وحمل رأسه إلى الكوفة ، ثم إلى البصرة ، واستراح الناس منه .
قال ابن جرير : وفيها شهد موقف عرفة أربع رايات متباينة ، كل واحدة منها لا تأتم بالأخرى ; الواحدة في أصحابه ، والثانية لنجدة الحروري وأصحابه ، والثالثة لبني أمية ، والرابعة لعبد الله بن الزبير ، وكان أول من دفع راية لمحمد ابن الحنفية ، ثم نجدة ، ثم بنو أمية ، ثم دفع ابن الحنفية ابن الزبير فدفع الناس معه وكان عبد الله بن عمر فيمن انتظر دفع ابن الزبير ، ولكنه تأخر دفعه فقال ابن عمر : أشبه بتأخيره دفع الجاهلية ، فدفع ابن عمر فدفع ابن الزبير وتحاجز الناس في هذا العام فلم يكن بينهم قتال ، وكان على نيابة المدينة [ ص: 77 ] لابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري ، وعلى الكوفة والبصرة أخوه مصعب ، وعلى ملك الشام ، والله أعلم . عبد الملك بن مروان