( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، لما جاء لوط بضيفه لم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيته ، فخرجت امرأته حتى أتت مجالس قومها فقالت : إن لوطا قد أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم جمالا وكذا وكذا ، فحينئذ جاءوا يهرعون ، أي : يسرعون ، كما يدفعون دفعا فعل الطامع الخائف فوت ما يطلبه . وقرأ الجمهور : ( يهرعون ) مبنيا للمفعول من أهرع ، أي : يهرعهم الطمع . وقرأت فرقة : ( يهرعون ) بفتح الياء من هرع . وقال مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى يقودهم على رغم الأنوف
( ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، أي : كان ذلك ديدنهم وعادتهم ، أصروا على ذلك ومرنوا عليه ، فليس ذلك بأول إنشاء هذه المعصية ، جاءوا يهرعون لا يكفهم حياء لضراوتهم عليها ، والتقدير في ( ومن قبل ) ، أي : من قبل مجيئهم إلى هؤلاء الأضياف وطلبهم إياهم .وقيل : ومن قبل بعث لوط رسولا إليهم . وجمعت السيئات وإن كان المراد بها معصية إتيان الذكور ، إما باعتبار فاعليها أو باعتبار تكررها . وقيل : كانت سيئات كثيرة باختلاف أنواعها ، منها إتيان الذكور ، وإتيان النساء في غير المأتي ، وحذف الحصا والحيق في المجالس والأسواق ، والمكاء والصفير واللعب بالحمام والقمار ، والاستهزاء بالناس في الطرقات ، ووضع درهم على الأرض وهم بعيدون منه فمن أخذه صاحوا عليه وخجلوه ، وإن أخذه صبي تابعوه وراودوه . ( هؤلاء بناتي ) : الأحسن أن تكون الإضافة مجازية ، أي : بنات قومي ، أي : البنات أطهر لكم ، إذ النبي يتنزل منزلة الأب لقومه . وفي قراءة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ) ويدل عليه أنه فيما قيل : لم يكن له إلا بنتان ، وهذا بلفظ الجمع . ابن مسعود
وأيضا فلا يمكن أن يزوج ابنتيه من جميع قومه . وقيل : أشار إلى بنات نفسه وندبهم إلى النكاح ، إذ كان من سنتهم تزويج المؤمنة بالكافر . أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا . وقيل : كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه زغورا وزيتا . وقيل : كن ثلاثا .
ومعنى أطهر : أنظف فعلا . وقيل : أحل وأطهر بيتا ليس أفعل التفضيل ، إذ لا طهارة في إتيان الذكور . وقرأ الجمهور : ( أطهر ) بالرفع [ ص: 247 ] والأحسن في الإعراب أن يكون جملتان كل منهما مبتدأ وخبر . وجوز في ( بناتي ) أن يكون بدلا أو عطف بيان ، و ( هن ) فصل و ( أطهر ) الخبر . وقرأ الحسن ، ، وزيد بن علي وعيسى بن عمر ، ، وسعيد بن جبير ومحمد بن مروان : ( أطهر ) بالنصب . السدي
وقال : هو لحن . وقال سيبويه : احتبى فيه أبو عمرو بن العلاء ابن مروان في لحنه يعني : تربع . ورويت هذه القراءة عن ، وخرجت هذه القراءة على أن نصب أطهر على الحال . فقيل : ( هؤلاء ) : مبتدأ ، و ( مروان بن الحكم بناتي هن ) : مبتدأ وخبر في موضع خبر ( هؤلاء ) ، وروي هذا عن . وقيل : ( المبرد هؤلاء بناتي ) : مبتدأ وخبر ، و ( هن ) : مبتدأ و ( لكم ) : خبره ، والعامل قيل : المضمر . وقيل : لكم بما فيه من معنى الاستقرار . وقيل : ( هؤلاء بناتي ) : مبتدأ وخبر و ( هن ) : فصل ، و ( أطهر ) : حال . ورد بأن الفصل لا يقع إلا بين جزأي الجملة ، ولا يقع بين الحال وذي الحال .
وقد أجاز ذلك بعضهم وادعى السماع فيه عن العرب ، لكنه قليل . ثم أمرهم بتقوى الله في أن يؤثروا البنات على الأضياف . و ( لا تخزوني ) : يحتمل أن يكون من الخزي وهو : الفضيحة ، أو من الخزاية وهو : الاستحياء ، لأنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي هو ، وذلك من عراقة الكرم وأصل المروءة ، أليس منكم رجل يهتدي إلى سبيل الحق ، وفعل الجميل ، والكف عن السوء ؟ وفي ذلك توبيخ عظيم لهم ، حيث لم يكن منهم رشيد البتة .
قال : رشيد : مؤمن . وقال ابن عباس أبو مالك : ناه عن المنكر . ورشيد : ذو رشد ، أو مرشد كالحكيم بمعنى : المحكم ، والظاهر أن معنى ( من حق ) : من نصيب ، ولا من غرض ولا من شهوة ، قالوا له ذلك على وجه الخلاعة . وقيل : من حق لأنك لا ترى منا كحتنا ، لأنهم كانوا خطبوا بناته فردهم ، وكانت سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا .
وقيل : لما اتخذوا إتيان الذكران مذهبا كان عندهم أنه هو الحق ، وإن نكاح الإناث من الباطل . وقيل : لأن عادتهم كانت أن لا يتزوج الرجل منهم إلا واحدة ، وكانوا كلهم متزوجين . ( وإنك لتعلم ما نريد ) يعني : من إتيان الذكور ، ومالهم فيه من الشهوة . قال : ( لو أن لي بكم قوة ) : قال ذلك على سبيل التفجع . وجواب لو محذوف كما حذف في : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) وتقديره : لفعلت بكم وصنعت ، والمعنى في ( إلى ركن شديد ) من يستند إليه ويمتنع به من عشيرته ، شبه الذي يمتنع به بالركن من الجبل في شدته ومنعته ، وكأنه امتنع عليه أن ينتصر ويمتنع بنفسه أو بغيره مما يمكن أن يستند إليه .
وقال الحوفي وأبو البقاء : ( أو آوي ) : عطف على المعنى تقديره : أو أني آوي . والظاهر أن أو عطف جملة فعلية ، على جملة فعلية إن قدرت أني في موضع رفع على الفاعلية على ما ذهب إليه ، أي : لو ثبت أن لي بكم قوة أو آوي . ويكون المضارع المقدر وآوي هذا وقعا موقع الماضي ، ولو التي هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره نقلت المضارع إلى الماضي ، وإن قدرت أن وما بعدها جملة اسمية على مذهب المبرد ، فهي عطف عليها من حيث أن لو تأتي بعدها الجملة المقدرة اسمية ، إذا كان الذي ينسبك إليها أن ومعمولاها . سيبويه
وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون ( أو آوي ) : مستأنفا ، انتهى . ويجوز على رأي الكوفيين أن تكون أو بمعنى : بل ، ويكون قد أضرب عن الجملة السابقة وقال : بل آوي في حالي معكم إلى ركن شديد ، وكنى به عن جناب الله تعالى .
وقرأ شيبة وأبو جعفر : ( أو آوي ) بنصب الياء بإضمار أن بعد أو ، فتتقدر بالمصدر عطفا على قوله : ( قوة ) . ونظيره من النصب بإضمار ( أن ) بعد ( أو ) قول الشاعر :
ولولا رجال من رزام أعزة و آل سبيع أو يسوؤك علقما
أي : أو ومساءتك علقما .