وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل
فما حفظ أن أحدا من الناس نازع في هذا القول . وقيل : سبب أثر قدميه في هذا الحجر أنه وافى مكة زائرا من الشام ، فقالت له زوجة إسماعيل : انزل حتى أغسل رأسك ، فأبى أن ينزل ، فجاءت بهذا الحجر من جهة شقه الأيمن ، فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ، ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر ، فبقي أثر قدميه فيه . وارتفاع " آيات " على الفاعلية بالمجرور قبله ، فيكون المجرور في موضع الحال ، والعامل فيها محذوف ، وذلك المحذوف هو الحال حقيقة . ونسبة الحالية إلى الظرف والمجرور مجاز كنسبة الخبر إليها إذا قلت : زيد في الدار أو عندك ؛ ولذلك قال بعض أصحابنا : وما يعزى للظرف من خبرية وعمل ، فالأصح كونه لعامله ، وكون " فيه " في موضع حال مقدرة ، سواء كان العامل فيها هو العامل في " ببكة " ، أم كان العامل فيها هو " وضع " على ما أعربوه ، أو على ما أعربناه . ويجوز أن يكون جملة مستأنفة ، أخبر الله تعالى أن فيه آيات بينات .
( مقام إبراهيم ) مقام : مفعل من القيام . وقرأ الجمهور : آيات بينات على الجمع . وقرأ أبي وعمرو بن عباس ومجاهد وأبو جعفر في رواية قتيبة " آية بينة " على التوحيد . فعلى قراءة الجمهور أعربوا مقام إبراهيم بدلا ، وهو بدل كل من كل ، من قوله : آيات ، وأعربوه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هن مقام إبراهيم . وعلى ما أعربوه فكيف يبدل المفرد من الجمع ، أو يخبر به عن الجمع ؟ وأجيب بوجهين : أحدهما : أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة ؛ لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله ونبوة إبراهيم - عليه السلام - من تأثير قدمه في حجر صلد ، كقوله تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا ) والثاني : اشتماله على آيات ؛ لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية ، وإبقاءه دون سائر آيات الأنبياء آية لإبراهيم خاصة ، وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وأهل الكتاب والملاحدة ألوف سنين آية . قال : ويجوز أن يراد فيه آيات بينات الزمخشري مقام إبراهيم وأمن من دخله ؛ لأن الآيتين نوع من الجمع كالثلاثة والأربعة . وقال ابن عطية : والمترجح عندي أن المقام وأمن الداخل جعلا مثالا مما في حرم الله من الآيات ، وخصا بالذكر لعظمهما ، وأنهما تقوم بهما الحجة على الكفار ; إذ هم مدركون لهاتين الآيتين بحواسهم . فظاهر كلامه وكلام قبله أن الزمخشري مقام إبراهيم وأمن الداخل تفسير للآيات ، وهي جمع ، ولكن لم يذكر أمن الداخل في الآية تفسيرا صناعيا ، إنما جاء " ومن دخله كان آمنا " جملة من شرط وجزاء ، أو مبتدأ أو خبر ، لا على سبيل أن يكون اسما مفردا يعطف على قوله : مقام إبراهيم ، فيكون ذلك تفسيرا صناعيا . بل لم يأت بعد قوله : ( آيات بينات ) سوى مفرد وهو " مقام إبراهيم " ، فقال : فإن قلت : كيف أجزت أن يكون ( مقام إبراهيم ) والأمن عطف بيان ، وقوله : ومن دخله [ ص: 9 ] كان آمنا جملة مستأنفة ، إما ابتدائية وإما شرطية ؟ قلت : أجزت ذلك من حيث المعنى ؛ لأن قوله : " ومن دخله كان آمنا " دل على أمن داخله ، فكأنه قيل : فيه آيات بينات ، مقام إبراهيم ، وأمن داخله . ألا ترى أنك لو قلت : فيه آية بينة ، من دخله كان آمنا - صح ؛ لأنه في معنى : فيه آية بينة ، أمن من دخله . انتهى سؤاله وجوابه ، وليس بواضح ؛ لأن تقديره وأمن الداخل ، هو مرفوع عطفا على مقام إبراهيم ، وفسر بهما الآيات . والجملة من قوله : " ومن دخله كان آمنا " لا موضع لها من الإعراب ، فتدافعا ، إلا إن اعتقد أن ذلك معطوف محذوف يدل عليه ما بعده ، فيمكن التوجيه . فلا يجعل قوله : " ومن دخله كان آمنا " في معنى : وأمن داخله ، إلا من حيث تفسير المعنى لا تفسير الإعراب . قال : ويجوز أن يذكر هاتين الآيتين ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات ، كأنه قيل : فيه آيات بينات الزمخشري مقام إبراهيم وأمن من دخله ، وكثير سواهما . ونحوه في طي الذكر قول جرير :
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم من العبيد وثلث من مواليها
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " انتهى كلامه . وفيه حذف معطوفين ، ولم يذكر حبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء ، وقرة عيني في الصلاة في إعراب " الزمخشري مقام إبراهيم " إلا أنه عطف بيان لقوله : " آيات بينات " . ورد عليه ذلك ؛ لأن " آيات " نكرة ، و " مقام إبراهيم " معرفة ، ولا يجوز التخالف في عطف البيان . وقوله مخالف لإجماع الكوفيين والبصريين ، فلا يلتفت إليه . وحكم عطف البيان عند الكوفيين حكم النعت ، فتتبع النكرة النكرة والمعرفة المعرفة ، وقد تبعهم في ذلك أبو علي الفارسي . وأما عند البصريين فلا يجوز إلا أن يكونا معرفتين ، ولا يجوز أن يكونا نكرتين . وما أعربه الكوفيون ومن وافقهم : عطف بيان وهو نكرة على النكرة قبله ، أعربه البصريون بدلا ، ولم يقم لهم دليل على تعيين عطف البيان في النكرة ، فينبغي أن لا يجوز . والأولى والأصوب في إعراب مقام إبراهيم أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أحدها ، أي أحد تلك الآيات البينات مقام إبراهيم . أو مبتدأ محذوف الخبر تقديره منها ، أي من الآيات البينات مقام إبراهيم . ويكون ذكر المقام لعظمه ولشهرته عندهم ، ولكونه مشاهدا لهم لم يتغير ، ولإذكاره إياهم دين أبيهم إبراهيم . وأما على قراءة من قرأ : آية بينة بالتوحيد ، فإعرابه بدل ، وهو بدل معرفة من نكرة موصوفة ، كقوله تعالى : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ) ويكون الله تعالى قد أخبر عن هذه الآية العظيمة وحدها وهي مقام إبراهيم ؛ لما ذكرناه ، وإن كان في البيت آيات كثيرة . واختلفوا في تفسير مقام إبراهيم . فقال الجمهور : هو الحجر المعروف . وقال قوم : البيت كله مقام إبراهيم ؛ لأنه بناه ، وقام في جميع أقطاره . وقال قوم : مكة كلها مقام إبراهيم . وقال قوم : الحرم كله . والحرم مما يلي المدينة نحوا من أربعة أميال إلى منتهى التنعيم ، ومما يلي العراق نحوا من ثمانية أميال يقال له المقطع ، ومما يلي عرفة تسعة أميال إلى منتهى الحديبية .
( ومن دخله كان آمنا ) الضمير في " ومن دخله " عائد على البيت ؛ إذ هو المحدث عنه ، والمقيد بتلك القيود من البركة والهدى والآيات البينات من مقام إبراهيم وغيره . ولا يمكن أن يعود على مقام إبراهيم إذا فسرناه بالحجر . وظاهر الآية وسياق الكلام أن هذه الجملة هي مفسرة لبعض آيات البيت ، ومذكرة للعرب بما كانوا عليه في الجاهلية من احترام هذا البيت ، وأمن من دخله من ذوي الجرائم . وكانت العرب يغير بعضها على بعض ويتخطف الناس بالقتل ، وأخذ الأموال ، وأنواع الظلم ، إلا في الحرم ، كقوله تعالى : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) وذلك بدعوة إبراهيم - عليه السلام - ( رب اجعل هذا بلدا آمنا ) فأما في الإسلام فمن أصاب حدا فإن [ ص: 10 ] الحرم لا يعيذه ، وإلى هذا ذهب عطاء ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغيره . فمن زنى ، أو سرق ، أو قتل ، أقيم عليه الحد واستحسن كثير ممن قال هذا القول أن يخرج من وجب عليه القتل إلى الحل فيقتل فيه . وقال : من أحدث حدثا واستجار ابن عباس بالبيت فهو آمن . والأمر في الإسلام على ما كان في الجاهلية ، فلا يعرض أحد لقاتل وليه . إلا أنه يجب على المسلمين أن لا يبايعوه ، ولا يكلموه ، ولا يئووه حتى يتبرم فيخرج من الحرم ، فيقام عليه الحد . وقال بمثل هذا عطاء أيضا ، ، والشعبي ، وعبيد بن عمير والسدي ، ، وغيرهم ، إلا أن أكثرهم ، قالوا : هذا فيمن يقتل خارج الحرم ثم يعوذ وابن جبير بالحرم ، أما من قتل فيه فيقام عليه الحد فيه . واختلف فقهاء الأمصار : إذا جنى في غير الحرم ثم التجأ إليه ، فقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ، ، والحسن بن زياد وأحمد في رواية حنبل عنه : إن كانت الجناية في النفس لم يقتص منه ولا يخالط ، أو فيما دون النفس اقتص منه في الحرم . وقال مالك في رواية : لا يقتص منه فيه ، لا بقتل ولا فيما دون النفس ، ولا يخالط . قالوا : وانعقد الإجماع على أن من جنى فيه لا يؤمن ؛ لأنه هتك حرمة الحرم ورد الأمان . فبقي حكم الآية فيمن جنى خارجا منه ثم التجأ إليه . وقالوا : هذا خبر معناه الأمر . أي ومن دخله فأمنوه . وهو عام فيمن جنى فيه أو في غيره ثم دخله ، لكن صد الإجماع عن العمل به فيمن جنى فيه وبقي حكم الآية مختصا بمن جنى خارجا منه ثم دخله . وقال يحيـى بن جعدة في آخرين : آمنا من النار ، ولا بد من قيد في " ومن دخله كان آمنا " ، أي ومن دخله حاجا ، أو من دخله مخلصا في دخوله . وقيل المعنى : ومن دخله عام عمرة القضاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) وقال : من دخله ورقى على الصفا أمن أمن الأنبياء . وظاهر الآية ما بدأنا به أولا ، وكل هذه الأقوال سواه متكلفات ، وينبو اللفظ عنها ، ويخالف بعضها ظواهر الآيات وقواعد الشريعة ( جعفر الصادق ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) روى عكرمة : أنه لما نزلت : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا " قالت اليهود : نحن على الإسلام فنزلت : " ولله على الناس حج البيت " الآية ، قيل له : حجهم يا محمد إن كانوا على ملة إبراهيم التي هي الإسلام ، فليحجوا إن كانوا مسلمين . فقالت اليهود : لا نحجه أبدا . ودلت هذه الآية على تأكيد فرض الحج ، إذ جاء ذلك بقوله : " ولله " ، فيشعر بأن ذلك له تعالى ، وجاء بـ " على " الدالة على الاستعلاء ، وجاء متعلقا بالناس بلفظ العموم ، وإن كان المراد منه الخصوص ليكون من وجب عليه ذكر مرتين . قال : وفي هذا الكلام أنواع من التأكيد والتشديد . فمنها قوله : ( الزمخشري ولله على الناس حج البيت ) يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس ، لا ينفكون عن أدائه والخروج عن عهدته . ومنها أنه ذكر " الناس " ثم أبدل منه " من استطاع إليه سبيلا " ، وفيه ضربان من التأكيد ، أحدهما : أن الإبدال تنبيه للمراد وتكرير له . والثاني : أن الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين . انتهى كلامه ، وهو حسن . وقرأ حمزة والكسائي وحفص " حج " ، بكسر الحاء ، والباقون بفتحها ، وهما لغتان : الكسر لغة نجد ، والفتح لغة أهل العالية . وجعل الحج بالكسر مصدرا نحو : ذكر ذكرا . وجعله سيبويه اسم العمل . ولم يختلفوا في الفتح أنه مصدر ، وحج مبتدأ ، وخبره في المجرور الذي هو " ولله " ، وعلى الناس متعلق بالعامل في الجار والمجرور الذي هو خبر . وجوز أن يكون على الناس حالا ، وأن يكون خبر الحج . ولا يجوز أن يكون " ولله " حالا ؛ لما يلزم في ذلك من تقدمها على العامل المعنوي . و " حج " مصدر أضيف إلى المفعول الذي هو البيت ، والألف واللام فيه للعهد ، إذ قد تقدم " الزجاج إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " هذا الأصل ثم صار علما بالغلبة . فمتى ذكر البيت لا يتبادر إلى الذهن إلا أنه الكعبة ، [ ص: 11 ] وكأنه صار كالنجم للثريا وقال الشاعر :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفنائه بالأصائل
ولم يشترط في هذه الآية في وجوبه إلا الاستطاعة . وذكروا أن شروطه : العقل ، والبلوغ ، والحرية ، والإسلام ، والاستطاعة . وظاهر قوله : ( ولله على الناس ) وجوبه على العبد ، وهو مخاطب به ، وقال بذلك داود . وقال الجمهور : ليس مخاطبا به ؛ لأنه غير مستطيع ، إذ السيد يمنعه عن هذه العبادة لحقوقه . قالوا : وكذلك الصغير . فلو حج العبد في حال رقه ، والصبي قبل بلوغه ، ثم عتق وبلغ فعليهما حجة الإسلام . وظاهره الاكتفاء بحجة واحدة ، وعليه انعقد إجماع الجمهور خلافا لبعض أهل الظاهر إذ قال : يجب في كل خمسة أعوام مرة ، والحديث الصحيح يرد عليه . والظاهر أن شرطه القدرة على الوصول إليه بأي طريق قدر عليه من مشي ، وتكفف ، وركوب بحر ، وإيجار نفسه للخدمة . الرجال والنساء في ذلك سواء ، والمشروط مطلق الاستطاعة . وليست في الآية من المجملات فتحتاج إلى تفسير . ولم تتعرض الآية لوجوب الحج على الفور ، ولا على التراخي ، بل الظاهر أنه يجب في وقت حصول الاستطاعة . والقولان عن الحنفية والمالكية . وقال : ويدل على التراخي إجماع العلماء على ترك تفسيق القادر على الحج إذا أخره العام الواجب عليه في وقته ، بخلاف من فوت صلاة حتى خرج وقتها فقضاها . وأجمعوا على أنه لا يقال لمن حج بعد أعوام من وقت استطاعته أنت قاض . وكل من قال بالتراخي لا يجد في ذلك حدا إلا ما روي عن أبو عمر بن عبد البر أنه إذا زاد على الستين وهو قادر وترك ، فسق . وروي قريب من هذا عن سحنون ابن القاسم .
وفي إعراب " من " خلاف ، ذهب الأكثرون إلى أنه بدل بعض من كل ، فتكون " من " موصولة في موضع جر ، وبدل بعض من كل لا بد فيه من الضمير ، فهو محذوف تقديره : من استطاع إليه سبيلا منهم . وقال وغيره : " من " شرطية ، فتكون في موضع رفع بالابتداء . ويلزم حذف الضمير الرابط لهذه الجملة بما قبلها وحذف جواب الشرط ؛ إذ التقدير : من استطاع إليه سبيلا منهم فعليه الحج ، أو فعليه ذلك . والوجه الأول أولى ؛ لقلة الحذف فيه وكثرته في هذا . ويناسب الشرط مجيء الشرط بعده في قوله : ( الكسائي ومن كفر ) وقيل : " من " موصولة في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم من استطاع إليه سبيلا . وقال بعض البصريين : " من " موصولة في موضع رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حج ، فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل نحو : عجبت من شرب العسل زيد ، وهذا القول ضعيف من حيث اللفظ والمعنى . أما من حيث اللفظ فإن إضافة المصدر للمفعول ورفع الفاعل به قليل في الكلام ، ولا يكاد يحفظ في كلام العرب إلا في الشعر ، حتى زعم بعضهم أنه لا يجوز إلا في الشعر . وأما من حيث المعنى فإنه لا يصح ؛ لأنه يكون المعنى : إن الله أوجب على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع . ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع لا الناس على العموم ، والضمير في " إليه " يعود على البيت ، وقيل : على الحج . و " إليه " متعلق بـ " استطاع " ، و " سبيلا " مفعول بقوله : " استطاع " ؛ لأنه فعل متعد . قال تعالى : ( لا يستطيعون نصركم ) وكل موصل إلى شيء ، فهو سبيل إليه .
وظاهر الآية يدل على ، وليست الاستطاعة من باب المجملات كما قدمنا . وقال وجوب الحج على من استطاع إلى البيت سبيلا عمر ، وابنه ، ، وابن عباس وعطاء ، : هي حال الذي يجد زادا وراحلة ، وعلى هذا أكثر العلماء . وقال وابن جبير ابن الزبير والضحاك : إذا كان مستطيعا غير شاق على نفسه وجب عليه . قال الضحاك : إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع ، وقيل له في ذلك فقال : إن كان لبعضهم ميراث بمكة ، أكان يتركه ؟ بل كان ينطلق إليه ولو حبوا فكذلك يجب عليه الحج . [ ص: 12 ] وقال الحسن : من وجد شيئا يبلغه فقد وجب عليه . وقال عكرمة : استطاعة السبيل : الصحة . ومذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه ، وعنه ذلك على قدر الطاقة . وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدر على السفر ، وقد يقدر عليه من لا راحلة ولا زاد . وقال : من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل إليه . وقال ابن عباس : الاستطاعة على وجهين بنفسه أولا : فمن منعه مرض أو عذر وله مال فعليه أن يجعل من يحج عنه وهو مستطيع لذلك . واختلف قول الشافعي مالك فيمن سأل ذاهبا وآيبا ممن ليست عادته ذلك في إقامته . فروى عنه ابن وهب : لا بأس بذلك . وروى عنه ابن القاسم : لا أرى ذلك ، ولا يخرج إلى الحج والغزو سائلا . وكره مالك أن تحج النساء في البحر . واختلف عنه في حج النساء ماشيات إذا قدرن على ذلك . ولا حج على المرأة إلا إذا كان معها ذو محرم ، واختلف إذا عدمته ، فقال الحسن ، والنخعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق : المحرم من السبيل ولا حج عليها إلا مع ذي محرم . قال أبو حنيفة : إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ، وإذا وجدت محرما فهل لزوجها أن يمنعها في الفرض ؟ قال : له أن يمنعها ، وعن الشافعي مالك روايتان : المنع ، وعدمه . والمحرم من لا يجوز له نكاحها على التأبيد بقرابة ، أو رضاع ، أو صهر ، والحر والعبد والمسلم والذمي في ذلك سواء ، إلا أن يكون مجوسيا يعتقد إباحة نكاحها أو مسلما غير مأمون ، فلا تخرج ولا تسافر معه . وقال مالك : تخرج مع جماعة نساء . وقال : مع حرة ثقة مسلمة . وقال الشافعي : مع رجل ثقة من المسلمين . وقال ابن سيرين : مع قوم عدول ، وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ، ولا يقربها رجل . الأوزاعي
واختلفوا في وجوب الحج مع وجود المكوس والغرامة . فقال : إذا كان المكس ولو درهما سقط فرض الحج عن الناس . وقال سفيان الثوري عبد الوهاب : إذا كانت الغرامة كثيرة مجحفة سقط الفرض . فظاهر كلامه هذا أنها إذا كانت كثيرة غير مجحفة به لسعة ماله فلا يسقط ، وعلى هذا جماعة أهل العلم ، وعليه مضت الأعصار . وأجمعوا على أن المريض والمعضوب لا يلزمهما المسير إلى الحج . فقال مالك : يسقط عن المعضوب فرض الحج ، ولا يحج عنه في حال حياته . فإن وصى أن يحج عنه بعد موته حج من الثلث ، وكان تطوعا . وقال ، الثوري وأبو حنيفة ، وأصحابه ، ، وابن المبارك وأحمد ، وإسحاق : إذا كان قادرا على مال يستأجر به لزمه ذلك ، وإذا بذل أحد له الطاعة والنيابة لزمه ذلك ببذل الطاعة عند الشافعي وأحمد وإسحاق . وقال أبو حنيفة : لا يلزمه الحج ببذل الطاعة ، ولو بذل له مالا فالصحيح أنه لا يلزمه قبوله . ومسائل فروع الاستطاعة كثيرة مذكورة في كتب الفقه .