الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والربانيون والأحبار ) هما بمعنى واحد ، وهم العلماء . قاله الأكثرون ومنهم : ابن قتيبة والزجاج . وقال مجاهد : الربانيون الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار . وقال السدي : الربانيون العلماء ، والأحبار الفقهاء . وقال ابن زيد : الربانيون الولاة ، والأحبار العلماء . وقيل : الربانيون علماء النصارى ، والأحبار علماء اليهود ، وقد تقدم شرح الرباني . وقال الزمخشري : والربانيون والأحبار : الزهاد والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود . وقال السدي : المراد هنا بالربانيين والأحبار : الذين يحكمون بالتوراة ، ابنا صوريا كان أحدهما ربانيا ، والآخر حبرا ، وكانا قد أعطيا النبي عهدا أن لا يسألهما عن شيء من أمر التوراة إلا أخبراه به ، فسألهما عن أمر الرجم فأخبراه به على وجهه ، فنزلت الآية مشيرة إليهما . قال ابن عطية : وفي هذا نظر . والرواية الصحيحة أن ابنا صوريا وغيرهم جحدوا أمر الرجم ، وفضحهم فيه عبد الله بن سلام ، وإنما اللفظ في كل حبر مستقيم فيما مضى من الزمان ، وأما في مدة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، فلو وجد لأسلم ، فلم يسم حبرا ولا ربانيا . انتهى .

( بما استحفظوا من كتاب الله ) الباء في بما للسبب ، وتتعلق [ ص: 492 ] بقوله : يحكم . واستفعل هنا للطلب ; والمعنى : بسبب ما استحفظوا . والضمير في استحفظوا عائد على النبيين والربانيين والأحبار ; أي : بسبب ما طلب الله منهم حفظهم لكتاب الله وهو التوراة ، وكلفهم حفظها ، وأخذ عهده عليهم في العمل بها والقول بها ، وقد أخذ الله على العلماء حفظ الكتاب من وجهين : أحدهما : حفظه في صدورهم ودرسه بألسنتهم . والثاني : حفظه بالعمل بأحكامه واتباع شرائعه . وهؤلاء ضيعوا ما استحفظوا حتى تبدلت التوراة . وفي بناء الفعل للمفعول وكون الفعل للطلب ما يدل على أنه تعالى لم يتكفل بحفظ التوراة ، بل طلب منهم حفظها وكلفهم بذلك ، فغيروا وبدلوا وخالفوا أحكام الله بخلاف كتابنا ، فإن الله تعالى قد تكفل بحفظه ، فلا يمكن أن يقع فيه تبديل ولا تغيير . قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقيل : الضمير في ( استحفظوا ) عائد على الربانيين والأحبار فقط . والذين استحفظهم التوراة هم الأنبياء .

( وكانوا عليه شهداء ) الظاهر أن الضمير عائد على كتاب الله ; أي : كانوا عليه رقباء لئلا يبدل . والمعنى يحكم بأحكام التوراة النبيون بين موسى و عيسى ، وكان بينهما ألف نبي للذين هادوا يحملونهم على أحكام التوراة لا يتركونهم أن يعدلوا عنها ، كما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من حملهم على حكم الرجم وإرغام أنوفهم ، وإبائهم عليهم ما اشتهوه من الجلد . وقيل : الهاء تعود على الحكم ; أي : وكانوا شهداء على الحكم . وقيل : عائد على الرسول ; أي : وكانوا شهداء على أنه نبي مرسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية