الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) لما انهزم من انهزم من المؤمنين أقبل خالد يريد أن يعلو الجبل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يعلن علينا ، اللهم لا قوة لنا إلا بك " فنزلت . قاله ابن عباس . وزاد الواقدي أن رماة المسلمين صعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ، فذلك قوله : وأنتم الأعلون . وقال القرطبي : وأنتم الغالبون بعد أحد ، فلم يخرجوا بعد ذلك إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهده - عليه السلام - وفي كل عسكر كان بعد ، ولو لم يكن فيه إلا واحد من الصحابة . وقال الكلبي : نزلت بعد أحد حين أمروا بطلب القوم مع ما أصابهم من الجراح . وقال : لا يخرج إلا من شهد معنا أمس ، فاشتد ذلك على المسلمين فنزلت ، نهاهم عن أن يضعفوا عن جهاد أعدائهم ، وعن الحزن على من استشهد من إخوانهم ؛ فإنهم [ ص: 62 ] صاروا إلى كرامة الله . قاله ابن عباس . أو لأجل هزيمتهم وقتلهم يوم أحد . قاله مقاتل . أولما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من شجه وكسر رباعيته ، ذكره الماوردي . أولما فات من الغنيمة ، ذكره أحمد النيسابوري . أو لمجموع ذلك . وآنسهم بقوله : " وأنتم الأعلون " أي الغالبون وأصحاب العاقبة . وهو إخبار بعلو كلمة الإسلام . قاله الجمهور ، وهو الظاهر .

وقيل : ( وأنتم الأعلون ) ، أي قد أصبتم ببدر ضعف ما أصابوا منكم ب أحد أسرا وقتلا ، فيكون " وأنتم الأعلون " نصبا على الحال ، أي تحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم . انتهى . وأما كونه من علوهم الجبل كما أشير إليه في سبب النزول فروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير . قال ابن عطية : ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه وخصامه ، ولا يلين إذا كان محقا ، وأن يتقصى جميع قدرته ، ولا يضرع ولو مات . وإنما يحسن اللين في السلم والرضا ، ومنه قوله - عليه السلام - : " المؤمن هين لين ، والمؤمنون هينون لينون " وقال منذر بن سعيد : يجب بهذه الآية ألا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة وشوكة ، فإن كانوا في قطر ما على غير ذلك فينظر الإمام لهم في الأصلح . انتهى .

وفي قوله : وأنتم الأعلون دلالة على فضيلة هذه الأمة ؛ إذ خاطبهم مثل ما خاطب موسى كليمه - صلى الله عليه وسلم - على نبينا وعليه ، إذ قال له : " لا تخف إنك أنت الأعلى " . وتعلق قوله : إن كنتم مؤمنين بالنهي ، فيكون ذلك هزا للنفوس يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله ، وقلة المبالاة بالأعداء . أو بالجملة الخبرية : أي إن صدقتم بما وعدكم وبشركم به من الغلبة . ويكون شرطا على بابه يحصل به الطعن على من ظهر نفاقه في ذلك اليوم ، أي : لا تكون الغلبة والعلو إلا للمؤمنين ، فاستمسكوا بالإيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية