(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28974يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=108تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=111لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=112ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) .
أصبح : من الأفعال الناقصة لاتصاف الموصوف بالصفة وقت الصباح . وقد تأتي بمعنى صار وهي ناقصة أيضا ، وتأتي أيضا لازمة تقول : أصبحت أي دخلت في الصباح . وتقول : أصبح زيد ، أي أقام في الصباح ، ومنه : إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنه مصبح ، أي مقيم في الصباح .
شفا الشيء : طرفه وحرفه ، وهو من ذوات الواو ، وتثنيته : شفوان ، وهو حرف كل جرف له مهوى ، كالحفرة والبئر والجرف والسقف والجدار . ويضاف في الاستعمال إلى الأعلى نحو : شفا جرف . وإلى الأسفل نحو : شفا حفرة . ويقال : أشفى على كذا أي أشرف . ومنه أشفى المريض على الموت . قال
يعقوب : يقال للرجل عند موته وللقمر عند محاقه وللشمس عند غروبها : ما بقي منه أو منها إلا شفا : أي قليل .
الحفرة : معروفة وهي واحدة الحفر ، فعلة بمعنى مفعولة ، كغرفة من الماء . أنقذ : خلص .
الابيضاض والاسوداد معروفان ، ويقال : بيض فهو أبيض . وسود : فهو أسود ، ويقال : هما أصل الألوان . ذاق الشيء : استطعمه ، وأصله بالفم ، ثم استعير لكل ما يحس ويدرك على وجه التشبيه بالذي يعرف عند الطعم . تقول العرب : قد ذقت من إكرام فلان ما يرغبني في قصده . ويقولون : ذق الفرق واعرف ما عنده . وقال
تميم بن مقبل :
أو كاهتزاز رديني تذاوقه أيدي التجار فزادوا متنه لينا
وقال آخر :
وإن الله ذاق حلوم قيس فلما راء خفتها قلاها
يعنون بالذوق العلم ، إما بالحاسة ، وإما بغيرها . ثقفت الرجل : غلبته وظفرت به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) لما حذرهم تعالى من إضلال من يريد إضلالهم ، أمرهم بمجامع الطاعات ، فرهبهم
[ ص: 17 ] أولا بقوله : اتقوا الله ، إذ التقوى إشارة إلى التخويف من عذاب الله ، ثم جعلها سببا للأمر بالاعتصام بدين الله ، ثم أردف الرهبة بالرغبة ، وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واذكروا نعمة الله عليكم ) وأعقب الأمر بالتقوى والأمر بالاعتصام بنهي آخر هو من تمام الاعتصام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
والربيع ،
وقتادة ،
والحسن : حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر . وروي مرفوعا . وقيل : حق تقاته اتقاء جميع معاصيه . وقال
قتادة ،
والسدي ،
وابن زيد ،
والربيع : هي منسوخة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم ) أمروا أولا بغاية التقوى حتى لا يقع إخلال بشيء ثم نسخ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس : هي محكمة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم ) بيان لقوله : اتقوا الله حق تقاته . وقيل : هو أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه . وقيل : لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المعنى جاهدوا في الله حق جهاده . وقال
الماتريدي : وفي حرف
حفصة : " اعبدوا الله حق عبادته " . وتقاة هنا مصدر ، وتقدم الكلام عليه في (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28إلا أن تتقوا منهم تقاة ) .
قال
ابن عطية : ويصح أن يكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإن كان لم يتصرف منه ، فيكون : كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي ، إذ فعيل وفاعل بمنزلة . والمعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ؛ ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى . انتهى كلامه . وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ ؛ إذ الظاهر أن قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102حق تقاته " من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، كما تقول : ضربت زيدا شديد الضرب ، أي الضرب الشديد . فكذلك هذا ، أي اتقوا الله الاتقاء الحق ، أي الواجب الثابت . أما إذا جعلت التقاة جمعا فإن التركيب يصير مثل : اضرب زيدا حق ضرابه ، فلا يدل هذا التركيب على معنى : اضرب زيدا كما يحق أن يكون ضرابه . بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى ، والتقدير : اضرب زيدا ضربا حقا كما يحق أن يكون ضرب ضرابه . ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره ، وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ظاهره النهي عن أن يموتوا إلا وهم متلبسون بالإسلام . والمعنى : دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه . ونظيره ما حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه من قولهم : لا أرينك هاهنا ، وإنما المراد لا تكن هنا فتكون رؤيتي لك . وقد تقدم لنا الكلام على هذا المعنى مستوفى في سورة البقرة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132إن الله اصطفى لكم الدين ) الآية . والجملة من قوله : وأنتم مسلمون حالية ، والاستثناء مفرع من الأحوال . التقدير : ولا تموتن على حال من الأحوال إلا على حالة الإسلام . ومجيئها اسمية أبلغ لتكرر الضمير ، وللمواجهة فيها بالخطاب . وزعم بعضهم أن الأظهر في الجملة أن يكون الحال حاصلة قبل ، ومستصحبة . وأما لو قيل : مسلمين ، لدل على الاقتران بالموت لا متقدما ولا متأخرا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28974يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=108تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=111لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=112ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) .
أَصْبَحَ : مِنَ الْأَفْعَالِ النَّاقِصَةِ لِاتِّصَافِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ وَقْتَ الصَّبَاحِ . وَقَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى صَارَ وَهِيَ نَاقِصَةٌ أَيْضًا ، وَتَأْتِي أَيْضًا لَازِمَةً تَقُولُ : أَصْبَحْتُ أَيْ دَخَلْتُ فِي الصَّبَاحِ . وَتَقُولُ : أَصْبَحَ زَيْدٌ ، أَيْ أَقَامَ فِي الصَّبَاحِ ، وَمِنْهُ : إِذَا سَمِعْتَ بِسُرَى الْقَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُصَبِّحٌ ، أَيْ مُقِيمٌ فِي الصَّبَاحِ .
شَفَا الشَّيْءُ : طَرْفُهُ وَحَرْفُهُ ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ ، وَتَثْنِيَتُهُ : شَفَوَانِ ، وَهُوَ حَرْفُ كُلِّ جُرْفٍ لَهُ مَهْوًى ، كَالْحُفْرَةِ وَالْبِئْرِ وَالْجُرْفِ وَالسَّقْفِ وَالْجِدَارِ . وَيُضَافُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِلَى الْأَعْلَى نَحْوَ : شَفَا جُرُفٍ . وَإِلَى الْأَسْفَلِ نَحْوَ : شَفَا حُفْرَةٍ . وَيُقَالُ : أَشَفَى عَلَى كَذَا أَيْ أَشْرَفَ . وَمِنْهُ أَشَفَى الْمَرِيضُ عَلَى الْمَوْتِ . قَالَ
يَعْقُوبُ : يُقَالُ لِلرَّجُلِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلِلْقَمَرِ عِنْدَ مُحَاقِهِ وَلِلشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا : مَا بَقِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا إِلَّا شَفَا : أَيْ قَلِيلٌ .
الْحُفْرَةُ : مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ وَاحِدَةُ الْحُفَرِ ، فِعْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ ، كَغُرْفَةٍ مِنَ الْمَاءِ . أَنْقَذَ : خَلَّصَ .
الِابْيِضَاضُ وَالِاسْوِدَادُ مَعْرُوفَانِ ، وَيُقَالُ : بَيَّضَ فَهُوَ أَبْيَضُ . وَسَوَّدَ : فَهُوَ أَسْوَدُ ، وَيُقَالُ : هُمَا أَصْلُ الْأَلْوَانِ . ذَاقَ الشَّيْءَ : اسْتَطْعَمَهُ ، وَأَصْلُهُ بِالْفَمِ ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَا يُحَسُّ وَيُدْرَكُ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ بِالَّذِي يُعْرَفُ عِنْدَ الطَّعْمِ . تَقُولُ الْعَرَبُ : قَدْ ذُقْتُ مِنْ إِكْرَامِ فُلَانٍ مَا يُرَغِّبُنِي فِي قَصْدِهِ . وَيَقُولُونَ : ذُقِ الْفَرْقَ وَاعْرِفْ مَا عِنْدَهُ . وَقَالَ
تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ :
أَوْ كَاهْتِزَازِ رُدَيْنَيٍ تَذَاوَقَهُ أَيْدِي التِّجَارِ فَزَادُوا مَتْنَهُ لِينَا
وَقَالَ آخَرُ :
وَإِنَّ اللَّهَ ذَاقَ حُلُومَ قَيْسٍ فَلَمَّا رَاءَ خِفَّتَهَا قَلَاهَا
يَعْنُونَ بِالذَّوْقِ الْعِلْمَ ، إِمَّا بِالْحَاسَّةِ ، وَإِمَّا بِغَيْرِهَا . ثَقِفْتُ الرَّجُلَ : غَلَبْتُهُ وَظَفِرْتُ بِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) لَمَّا حَذَّرَهُمْ تَعَالَى مِنْ إِضْلَالِ مَنْ يُرِيدُ إِضْلَالَهُمْ ، أَمَرَهُمْ بِمَجَامِعِ الطَّاعَاتِ ، فَرَهَّبَهُمْ
[ ص: 17 ] أَوَّلًا بِقَوْلِهِ : اتَّقَوُا اللَّهَ ، إِذِ التَّقْوَى إِشَارَةٌ إِلَى التَّخْوِيفِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، ثُمَّ جَعَلَهَا سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِالِاعْتِصَامِ بِدِينِ اللَّهِ ، ثُمَّ أَرْدَفَ الرَّهْبَةَ بِالرَّغْبَةِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) وَأَعْقَبَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى وَالْأَمْرَ بِالِاعْتِصَامِ بِنَهْيٍ آخَرَ هُوَ مِنْ تَمَامِ الِاعْتِصَامِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
وَالرَّبِيعُ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَالْحَسَنُ : حَقَّ تُقَاتِهِ هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى ، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى ، وَيَشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا . وَقِيلَ : حَقَّ تُقَاتِهِ اتِّقَاءَ جَمِيعَ مَعَاصِيهِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ ،
وَالسُّدِّيُّ ،
وَابْنُ زَيْدٍ ،
وَالرَّبِيعُ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) أُمِرُوا أَوَّلًا بِغَايَةِ التَّقْوَى حَتَّى لَا يَقَعَ إِخْلَالٌ بِشَيْءٍ ثُمَّ نُسِخَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ : هِيَ مُحْكَمَةٌ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ : اتَّقَوُا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، وَيَقُومُ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ . وَقِيلَ : لَا يَتَّقِي اللَّهَ عَبْدٌ حَقَّ تُقَاتِهِ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمَعْنَى جَاهَدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ . وَقَالَ
الْمَاتُرِيدِيُّ : وَفِي حَرْفِ
حَفْصَةَ : " اعْبُدُوا اللَّهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ " . وَتُقَاةٌ هُنَا مَصْدَرٌ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التُّقَاةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَمْعُ فَاعِلٍ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَصَرَّفْ مِنْهُ ، فَيَكُونُ : كَرُمَاةٍ وَرَامٍ ، أَوْ يَكُونُ جَمْعُ تَقِيٍّ ، إِذْ فَعِيلٌ وَفَاعِلٌ بِمَنْزِلَةٍ . وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : اتَّقَوُا اللَّهَ كَمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مُتَّقُوهُ الْمُخْتَصُّونَ بِهِ ؛ وَلِذَلِكَ أُضِيفُوا إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْبُو عَنْهُ هَذَا اللَّفْظُ ؛ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102حَقَّ تُقَاتِهِ " مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى مَوْصُوفِهَا ، كَمَا تَقُولُ : ضَرَبْتُ زَيْدًا شَدِيدَ الضَّرْبِ ، أَيِ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ . فَكَذَلِكَ هَذَا ، أَيِ اتَّقَوُا اللَّهَ الِاتِّقَاءَ الْحَقَّ ، أَيِ الْوَاجِبَ الثَّابِتَ . أَمَّا إِذَا جُعِلَتِ التُّقَاةُ جَمْعًا فَإِنَّ التَّرْكِيبَ يَصِيرُ مِثْلَ : اضْرِبْ زَيْدًا حَقَّ ضِرَابِهِ ، فَلَا يَدُلُّ هَذَا التَّرْكِيبُ عَلَى مَعْنَى : اضْرِبْ زَيْدًا كَمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ ضِرَابُهُ . بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ لَاحْتِيجَ فِي فَهْمِ مَعْنَاهُ إِلَى تَقْدِيرِ أَشْيَاءَ يَصِحُّ بِهَا الْمَعْنَى ، وَالتَّقْدِيرُ : اضْرِبْ زَيْدًا ضَرْبًا حَقًّا كَمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُ ضِرَابِهِ . وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إِلَى تَحْمِيلِ اللَّفْظِ غَيْرَ ظَاهِرِهِ ، وَتَكَلُّفِ تَقَادِيرٍ يَصِحُّ بِهَا مَعْنًى لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ظَاهِرُهُ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَمُوتُوا إِلَّا وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِالْإِسْلَامِ . وَالْمَعْنَى : دُومُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يُوَافِيَكُمُ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ . وَنَظِيرُهُ مَا حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ : لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ لَا تَكُنْ هُنَا فَتَكُونُ رُؤْيَتِي لَكَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ) الْآيَةَ . وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ حَالِيَّةٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّعٌ مِنَ الْأَحْوَالِ . التَّقْدِيرُ : وَلَا تَمُوتُنَّ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا عَلَى حَالَةِ الْإِسْلَامِ . وَمَجِيئُهَا اسْمِيَّةٌ أَبْلَغُ لِتَكَرُّرِ الضَّمِيرِ ، وَلِلْمُوَاجَهَةِ فِيهَا بِالْخِطَابِ . وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ حَاصِلَةٌ قَبْلُ ، وَمُسْتَصْحِبَةٌ . وَأَمَّا لَوْ قِيلَ : مُسْلِمِينَ ، لَدَلَّ عَلَى الِاقْتِرَانِ بِالْمَوْتِ لَا مُتَقَدِّمًا وَلَا مُتَأَخِّرًا .