أصبح : من الأفعال الناقصة لاتصاف الموصوف بالصفة وقت الصباح . وقد تأتي بمعنى صار وهي ناقصة أيضا ، وتأتي أيضا لازمة تقول : أصبحت أي دخلت في الصباح . وتقول : أصبح زيد ، أي أقام في الصباح ، ومنه : إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنه مصبح ، أي مقيم في الصباح .
شفا الشيء : طرفه وحرفه ، وهو من ذوات الواو ، وتثنيته : شفوان ، وهو حرف كل جرف له مهوى ، كالحفرة والبئر والجرف والسقف والجدار . ويضاف في الاستعمال إلى الأعلى نحو : شفا جرف . وإلى الأسفل نحو : شفا حفرة . ويقال : أشفى على كذا أي أشرف . ومنه أشفى المريض على الموت . قال يعقوب : يقال للرجل عند موته وللقمر عند محاقه وللشمس عند غروبها : ما بقي منه أو منها إلا شفا : أي قليل .
الحفرة : معروفة وهي واحدة الحفر ، فعلة بمعنى مفعولة ، كغرفة من الماء . أنقذ : خلص .
الابيضاض والاسوداد معروفان ، ويقال : بيض فهو أبيض . وسود : فهو أسود ، ويقال : هما أصل الألوان . ذاق الشيء : استطعمه ، وأصله بالفم ، ثم استعير لكل ما يحس ويدرك على وجه التشبيه بالذي يعرف عند الطعم . تقول العرب : قد ذقت من إكرام فلان ما يرغبني في قصده . ويقولون : ذق الفرق واعرف ما عنده . وقال تميم بن مقبل :
أو كاهتزاز رديني تذاوقه أيدي التجار فزادوا متنه لينا
وقال آخر :
وإن الله ذاق حلوم قيس فلما راء خفتها قلاها
يعنون بالذوق العلم ، إما بالحاسة ، وإما بغيرها . ثقفت الرجل : غلبته وظفرت به .
( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) لما حذرهم تعالى من إضلال من يريد إضلالهم ، أمرهم بمجامع الطاعات ، فرهبهم [ ص: 17 ] أولا بقوله : اتقوا الله ، إذ التقوى إشارة إلى التخويف من عذاب الله ، ثم جعلها سببا للأمر بالاعتصام بدين الله ، ثم أردف الرهبة بالرغبة ، وهي قوله : ( واذكروا نعمة الله عليكم ) وأعقب الأمر بالتقوى والأمر بالاعتصام بنهي آخر هو من تمام الاعتصام . قال ، ابن مسعود والربيع ، وقتادة ، والحسن : حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر . وروي مرفوعا . وقيل : حق تقاته اتقاء جميع معاصيه . وقال قتادة ، والسدي ، وابن زيد ، والربيع : هي منسوخة بقوله : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) أمروا أولا بغاية التقوى حتى لا يقع إخلال بشيء ثم نسخ . وقال ، ابن عباس : هي محكمة . ( وطاوس فاتقوا الله ما استطعتم ) بيان لقوله : اتقوا الله حق تقاته . وقيل : هو أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه . وقيل : لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه . وقال : المعنى جاهدوا في الله حق جهاده . وقال ابن عباس الماتريدي : وفي حرف حفصة : " اعبدوا الله حق عبادته " . وتقاة هنا مصدر ، وتقدم الكلام عليه في ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) .
قال ابن عطية : ويصح أن يكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإن كان لم يتصرف منه ، فيكون : كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي ، إذ فعيل وفاعل بمنزلة . والمعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ؛ ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى . انتهى كلامه . وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ ؛ إذ الظاهر أن قوله : " حق تقاته " من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، كما تقول : ضربت زيدا شديد الضرب ، أي الضرب الشديد . فكذلك هذا ، أي اتقوا الله الاتقاء الحق ، أي الواجب الثابت . أما إذا جعلت التقاة جمعا فإن التركيب يصير مثل : اضرب زيدا حق ضرابه ، فلا يدل هذا التركيب على معنى : اضرب زيدا كما يحق أن يكون ضرابه . بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى ، والتقدير : اضرب زيدا ضربا حقا كما يحق أن يكون ضرب ضرابه . ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره ، وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ .
( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ظاهره النهي عن أن يموتوا إلا وهم متلبسون بالإسلام . والمعنى : دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه . ونظيره ما حكى من قولهم : لا أرينك هاهنا ، وإنما المراد لا تكن هنا فتكون رؤيتي لك . وقد تقدم لنا الكلام على هذا المعنى مستوفى في سورة البقرة في قوله : ( سيبويه إن الله اصطفى لكم الدين ) الآية . والجملة من قوله : وأنتم مسلمون حالية ، والاستثناء مفرع من الأحوال . التقدير : ولا تموتن على حال من الأحوال إلا على حالة الإسلام . ومجيئها اسمية أبلغ لتكرر الضمير ، وللمواجهة فيها بالخطاب . وزعم بعضهم أن الأظهر في الجملة أن يكون الحال حاصلة قبل ، ومستصحبة . وأما لو قيل : مسلمين ، لدل على الاقتران بالموت لا متقدما ولا متأخرا .