( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) رتب تعالى على مجموع الصبر والتقوى وإتيان العدد من فورهم إمداده تعالى المؤمنين بأكثر من العدد السابق وعلقه على وجودها ، بحيث لا يتأخر نزول الملائكة عن تحليهم بثلاثة الأوصاف . ومعنى من فورهم : من سفرهم ، هذا قاله . أو من وجههم ، هذا قاله ابن عباس الحسن وقتادة والسدي . قيل : وهي لغة هذيل ، وقيس ، وغيلان ، وكنانة ، أو من غضبهم هذا ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح مولى أم هانئ ، أو معناه في نهضتهم هذه ، قاله ابن عطية . أو المعنى من ساعتهم هذه قاله . الزمخشري
ولفظة الفور تدل على السرعة والعجلة ، تقول : افعل هذا على الفور لا على التراخي . ومنه الفور في الحج والوضوء . وفي إسناد الإمداد إلى لفظة ربكم دون غيره من أسماء الله إشعار بحسن النظر لهم ، واللطف بهم .
وقرأ الصاحبان والأخوان " مسومين " بفتح الواو ، وأبو عمرو وابن كثير وعاصم بكسرها . وقيل : من السوم ، وهي العلامة تكون على الشاة وغيرها ، يجعل عليها لون يخالف لونها لتعرف . وقيل : من السوم ، وهو ترك البهيمة ترعى . فعلى الأول روي أن الملائكة كانت بعمائم بيض ، إلا جبريل فبعمامة صفراء كالزبير . قاله ، ابن إسحاق . وقيل : بعمائم صفر والزجاج كالزبير ، قاله عروة وعبد الله ابنا الزبير ، وعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، والكلبي وزاد : مرخاة على أكتافهم . قيل : وكانوا على خيل بلق ، وكانت سيماهم - قاله قتادة والربيع - أو خيلهم مجزوزة النواصي والأذناب ، معلمتها بالصوف والعهن . قاله مجاهد . فبفتح الواو : معلمين ، وبكسرها معلمين أنفسهم أو خيلهم . ورجح قراءة الكسر بأنه - عليه الصلاة والسلام - قاله يوم الطبري بدر : سوموا ، فإن الملائكة قد سومته . وعلى القول الثاني : وهو السوم ، فمعنى مسومين - بكسر الواو - سوموا خيلهم أي أعطوها من الجري والجولان للقتال ، ومنه سائمة الماشية . وأما بفتح الواو فيصح فيه هذا المعنى أيضا ، قاله المهدوي وابن فورك . أي سومهم الله تعالى ، بمعنى أنه جعلهم يجولون ويجرون للقتال . وقال أبو زيد : سوم الرجل خيله أي أرسلها في الغارة . وحكى بعض البصريين : سوم الرجل غلامه أرسله وخلى سبيله ؛ ولهذا قال الأخفش : معنى مسومين : مرسلين . وفي الآية دليل على جواز اتخاذ العلامة للقبائل والكتائب لتتميز كل قبيلة وكتيبة عند الحرب .