والكلام في هذه الآية مبني على الخلاف في قوله : ( الذين استجابوا لله والرسول ) وقد تقدم ذكره عند ذكر تفسيرها . وفرق بعضهم بين الانقلاب والرجوع ، بأن الانقلاب صيرورة الشيء إلى خلاف ما كان عليه . قال : ويوضح هذا أنك تقول : انقلبت الخمر خلا ، ولا تقول : رجعت الخمر خلا . انتهى كلامه ، وفي ذلك نظر . وقيل : النعمة الأجر . قاله مجاهد . وقيل : العافية والنصر . قاله . قيل : والفضل ربح التجارة . قاله الزجاج مجاهد ، والسدي ، . وتقدم حكاية هذا القول عن والزهري مجاهد . وقيل : أصابوا سرية بالصفراء فرزقوا منها . قاله مقاتل . وقيل : الثواب . ذكره الماوردي . والجملة من قوله : " لم يمسسهم سوء " في موضع الحال ، أي سالمين . و " بنعمة " حال أيضا ؛ لأن الباء فيه باء المصاحبة ، أي انقلبوا متنعمين سالمين . والجملة الحالية المنفية بلم المشتملة على ضمير ذي الحال ، يجوز دخول الواو عليها ، وعدم دخولها . فمن الأول قوله تعالى : ( أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) ، وقول الشاعر :
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب وإن كثرت في الأقاويل
ومن الثاني قوله تعالى : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ) وقول قيس بن الأسلت :
وأضرب القونس يوم الوغى بالسيف لم يقصر به باعي
ووهم الأستاذ في ذلك فزعم أنها إذا كانت الجملة ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضميرا ، ولم يكن فيها . والمستعمل في لسان العرب ما ذكرناه . أبو الحسن بن خروف
واتباعهم رضوان الله هو بخروجهم إلى العدو ، وجراءتهم ، وطواعيتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - . وختمها بقوله : " والله ذو فضل عظيم " ، مناسب لقوله : ( بنعمة من الله وفضل ) تفضل عليهم بالتيسير والتوفيق في ما فعلوه ، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عن الخروج حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء من الثواب في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا . وروي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا ؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ، ورضي عنهم . وهذه عاقبة تفويض أمرهم إليه تعالى ، جازاهم بنعمته ، وفضله ، وسلامتهم واتباعهم رضاه .