(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) هذه استجارة واستعاذة . أي : فلا تفعل بنا ذلك ، ولا تجعلنا ممن يعمل بعملها . ومعنى أخزيته : فضحته . من خزي الرجل يخزى خزيا : إذا افتضح ، وخزاية : إذا استحيا ، الفعل واحد واختلف في المصدر ، فمن الافتضاح خزي ، ومن الاستحياء خزاية . ومن ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=78ولا تخزون في ضيفي ) أي : لا تفضحون . وقيل : المعنى أهنته . وقال المفضل : أهلكته . ويقال : خزيته وأخزيته ثلاثيا ورباعيا ، والرباعي أكثر وأفصح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المخزي في اللغة هو المذل المحقور بأمر قد لزمه ، يقال : أخزيته ألزمته حجة أذللته معها . وقال
أنس وسعيد ،
والسدي ،
ومقاتل ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، وغيرهم : هي إشارة إلى من يخلد في النار ، أما من يخرج منها بالشفاعة والإيمان فليس بمخزي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله وغيره : كل من دخل النار فهو مخزي وإن خرج منها ، وإن في دون ذلك لخزيا ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وأبو سليمان الدمشقي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192وما للظالمين من أنصار ) هو من قول الداعين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الظالمون هنا هم الكافرون ، وهو قول جمهور المفسرين . وقد صرح به في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254والكافرون هم الظالمون ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) ويناسب هذا التفسير أن يكون ما قبله فيمن يخلد في النار ؛ لأن نفي الناصر إما بمنع أو شفاعة مختص بالكفار ، وأما المؤمن فالله ناصره والرسول صلى الله عليه وسلم شافعه ، وبعض المؤمنين يشفع لبعض كما ورد في الحديث . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192وما للظالمين اللام إشارة إلى من يدخل النار ، وإعلام بأن من يدخل النار ، فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها . انتهى . وهو على طريقة الاعتزال أن من يدخل النار لا يخرج منها أبدا ، سواء كان
[ ص: 141 ] كافرا أم فاسقا ، و ( من ) مفعولة لفعل الشرط . وحكى بعض المعربين ما نصه : وأجاز قوم أن يكون ( من ) منصوبا بفعل دل عليه جواب الشرط وهو :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192فقد أخزيته . وأجاز آخرون أن يكون ( من ) مبتدأ ، والشرط وجوابه الخبر . انتهى . أما القول الأول فصادر عن جاهل بعلم النحو ، وأما الثاني فإعراب ( من ) مبتدأ في غاية الضعف . وأما إدخاله جواب الشرط في الخبر مع فعل الشرط فجهالة . ومن أعظم وزرا ممن تكلم في كتاب الله بغير علم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ) ( سمع ) إن دخل على مسموع تعدى لواحد ، نحو : سمعت كلام زيد ، كغيره من أفعال الحواس . وإن دخل على ذات وجاء بعده فعل أو اسم في معناه ، نحو : سمعت زيدا يتكلم ، وسمعت زيدا يقول كذا ، ففي هذه المسألة خلاف . منهم من ذهب إلى أن ذلك الفعل أو الاسم إن كان قبله نكرة كان صفة لها ، أو معرفة كان حالا منها . ومنهم من ذهب إلى أن ذلك الفعل أو الاسم هو في موضع المفعول الثاني لسمع ، وجعل ( سمع ) مما يعدى إلى واحد إن دخل على مسموع ، وإلى اثنين إن دخل على ذات ، وهذا مذهب
أبي علي الفارسي . والصحيح القول الأول ، وهذا مقرر في علم النحو . فعلى هذا يكون ( ينادي ) في موضع الصفة ؛ لأن قبله نكرة ، وعلى مذهب
أبي علي يكون في موضع المفعول الثاني . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري إلى القول الأول قال : تقول : سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيدا يتكلم ؛ لتوقع الفعل على الرجل ، وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع ، أو جعلته حالا عنه ، فأغناك عن ذكره . ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد . وأن يقال : سمعت كلام فلان ، أو قوله . انتهى كلامه . وقوله : ولولا الوصف أو الحال إلى آخره - ليس كذلك ، بل لا يكون وصف ولا حال ، ويدخل ( سمع ) على ذات ، لا على مسموع . وذلك إذا كان في الكلام ما يشعر بالمسموع وإن لم يكن وصفا ولا حالا ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72هل يسمعونكم إذ تدعون ) أغنى ذكر ظرف الدعاء عن ذكر المسموع .
والمنادى هنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=46وداعيا إلى الله بإذنه ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك ) قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وابن زيد وغيرهما - أو القرآن ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، قال : لأن كل المؤمنين لم يلقوا الرسول ، فعلى الأول يكون وصفه بالنداء حقيقة ، وعلى الثاني مجازا ، وجمع بين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193مناديا ينادي ؛ لأنه ذكر الأول مطلقا وقيد الثاني تفخيما لشأن المنادي ؛ لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان . وذلك أن المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب ، أو لإطفاء الثائرة ، أو لإغاثة المكروب ، أو لكفاية بعض النوازل ، أو لبعض المنافع . فإذا قلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ينادي للإيمان ) فقد رفعت من شأن المنادي وفخمته . واللام متعلقة بـ ( ينادي ) ، ويعدى نادى ، ودعا ، وندب باللام وبإلى ، كما يعدى بهما هدى لوقوع معنى الاختصاص ، وانتهاء الغاية جميعا . ولهذا قال بعضهم : إن اللام بمعنى إلى . لما كان ينادي في معنى يدعو ؛ حسن وصولها باللام بمعنى ( إلى ) . وقيل : اللام لام العلة ، أي لأجل الإيمان . وقيل : اللام بمعنى الباء ، أي بالإيمان . والسماع محمول على حقيقته ، أي سمعنا صوت مناد . قيل : ومن جعل المنادي هو القرآن ، فالسماع عنده مجاز عن القبول ، و ( أن ) مفسرة ، التقدير : أن آمنوا . وجوز أن تكون مصدرية وصلت بفعل الأمر ، أي : بأن آمنوا . فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب ، وعلى الثاني لها موضع وهو الجر ، أو النصب على الخلاف . وعطف ( فآمنا ) بالفاء مؤذن بتعجيل القبول ، وتسبيب الإيمان عن السماع من غير تراخ ، والمعنى : فآمنا بك أو بربنا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا )
[ ص: 142 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الذنوب هي الكبائر ، والسيئات هي الصغائر . ويؤيده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وقيل : الذنوب ترك الطاعات ، والسيئات فعل المعاصي . وقيل : غفران الذنوب وتكفير السيئات أمر قريب بعضه من بعض ، لكنه كرر للتأكيد ، ولأنها مناح من الستر وإزالة حكم الذنوب بعد حصوله ، والغفران والتكفير بمعنى ، والذنوب والسيئات بمعنى ، وجمع بينهما تأكيدا ومبالغة ؛ وليكون في ذلك إلحاح في الدعاء . فقد روي : (
إن الله يحب الملحين في الدعاء ) . وقيل : في التكفير معنى ، وهو التغطية ، ليأمنوا الفضوح . والكفارة هي الطاعة المغطية للسيئة ، كالعتق والصيام والإطعام . ورجل مكفر بالسلاح ، أي مغطى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193وتوفنا مع الأبرار ) جمع بر ، على وزن فعل ، كصلف . أو جمع بار على وزن فاعل كضارب ، وأدغمت الراء في الراء . وهم الطائعون لله ، وتقدم معنى البر . وقيل : هم هنا الذين بروا الآباء والأبناء . و ( مع ) هنا مجاز عن الصحبة الزمانية إلى الصحبة في الوصف ، أي : توفنا أبرارا معدودين في جملة الأبرار . والمعنى : اجعلنا ممن توفيتهم طائعين لك . وقيل : المعنى احشرنا معهم في الجنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) الظاهر أنهم سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على رسله ، ففسر هذا الموعود به بالجنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقيل : الموعود به النصر على الأعداء . وقيل : استغفار الأنبياء ، كاستغفار
نوح و
إبراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، واستغفار الملائكة لهم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194على رسلك هو على حذف مضاف ، فقدره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وابن عطية : على ألسنة رسلك . وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : على تصديق رسلك . قال : ف ( على ) هذه صلة للوعد في قولك : وعد الله الجنة على الطاعة . والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك . ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول ، وقوله : ( آمنا ) وهو التصديق . ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف ، أي : ما وعدتنا منزلا على رسلك ، أو محمولا على رسلك ؛ لأن الرسل يحملون ذلك ، فإنما عليه ما حمل . انتهى . وهذا الوجه الذي ذكر آخرا أنه يجوز ليس بجائز ؛ لأن من قواعد النحويين أن الجار والمجرور والظرف متى كان العامل فيهما مقيدا ، فلا بد من ذكر ذلك العامل ، ولا يجوز حذفه ، ولا يحذف العامل إلا إذا كان كونا مطلقا . مثال ذلك : زيد ضاحك في الدار ، لا يجوز حذف ضاحك ألبتة . وإذا قلت : زيد في الدار فالعامل كون مطلق يحذف . وكذلك : زيد ناج من بني تميم ، لا يجوز حذف ناج . ولو قلت : زيد من بني تميم ؛ جاز على تقدير : كائن من بني تميم ، والمحذوف فيما جوزه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وهو قوله : منزلا أو محمولا ، لا يجوز حذفه على ما تقرر في علم النحو .
وإذا كان العامل في الظرف أو المجرور مقيدا صار ذلك الظرف أو المجرور ناقصا ، فلا يجوز أن يقع صلة ، ولا خبرا لا في الحال ، ولا في الأصل ، ولا صفة ، ولا حالا . ومعنى سؤالهم : أن يعطيهم ما وعدهم : أن يثيبهم على الإيمان والطاعة حتى يكونوا ممن يؤتيهم الله ما وعد المؤمنين ، ومعلوم أنه تعالى منجز ما وعد ، فسألوا إنجاز ما ترتب على الإيمان . والمعنى : التثبيت على الإيمان حتى يكونوا ممن يستحق برحمة الله تعالى إنجاز الوعد . وقيل : هذا السؤال جاء على سبيل الالتجاء إلى الله تعالى والتضرع له ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون ، مع علمهم أنهم مغفور لهم ، يقصدون بذلك التذلل والتضرع إليه والالتجاء . وقيل : استبطئوا النصر الذي وعدوا به فسألوا أن يعجل لهم وعده ، فعلى هذا وهو أن يكون الموعود به النصر يكون الإيتاء في الدنيا ، وعلى أن يكون الجنة يكون
[ ص: 143 ] الإيتاء في الآخرة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : ( على رسلك ) بإسكان السين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ولا تخزنا يوم القيامة ) فسر الإخزاء هنا بما فسر في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192فقد أخزيته . و ( يوم القيامة ) معمول لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ولا تخزنا ، ويجوز أن يكون من باب الإعمال ، إذ يصلح أن يكون منصوبا بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194تخزنا ) وب (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194آتنا ما وعدتنا ) ، إذا كان الموعود به الجنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194إنك لا تخلف الميعاد ) ظاهره أنه تعليل لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وآتنا ما وعدتنا ) . وقال
ابن عطية : إشارة إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) فهذا وعده تعالى ، وهو دال على أن الخزي إنما هو مع الخلود . انتهى .
وانظر إلى حسن محاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين ، فإنهم خاطبوا الله تعالى بلفظة ( ربنا ) ، وهي إشارة إلى أنه ربهم أصلحهم وهيأهم للعبادة ، فأخبروا أولا بنتيجة الفكر وهو قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ربنا ما خلقت هذا باطلا ) ثم سألوه أن يقيهم النار بعد تنزيهه عن النقائص . وأخبروا عن حال من يدخل النار وهم الظالمون الذين لا يذكرون الله ، ولا يتفكرون في مصنوعاته . ثم ذكروا أيضا ما أنتج لهم الفكر من إجابة الداعي إلى الإيمان ، إذ ذاك مترتب على أنه تعالى ما خلق هذا الخلق العجيب باطلا . ثم سألوا غفران ذنوبهم ووفاتهم على الإيمان الذي أخبروا به في قولهم : فآمنا ثم سألوا الله الجنة وأن لا يفضحهم يوم القيامة ، وذلك هو غاية ما سألوه .
وتكرر لفظ ( ربنا ) خمس مرات ، كل ذلك على سبيل الاستعطاف وتطلب رحمة الله تعالى بندائه بهذا الاسم الشريف الدال على التربية والملك والإصلاح . وكذلك تكرر هذا الاسم في قصة
آدم و
نوح وغيرهما . وفي تكرار ( ربنا . . . . . . ربنا ) دلالة على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=19769الإلحاح في المسألة ، واعتماد كثرة الطلب من الله تعالى . وفي الحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374148ألظوا بـ يا ذا الجلال والإكرام ) ، وقال
الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم . وهذه مسألة أجمع عليها علماء الأمصار خلافا لبعض
الصوفية ، إذ أجاز ذلك فيما يتعلق بالآخرة لا بالدنيا ، ولبعض المتصوفة أيضا إذ قال : الله تعالى تولى من اتبع الأمر واجتنب النهي وارتفع عنه كلف طلباته ودعائه . خرج
أبو نصر الوايلي السجستاني الحافظ في كتاب الإبانة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : (
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ) يعني :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إن في خلق السماوات والأرض . قال العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=32642ويستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه ، ويستفتح قيامه بقراءة هذا العشر آيات اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما ، ثم يصلي ما كتب له ، فيجمع بين التفكر والعمل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ) هَذِهِ اسْتِجَارَةٌ وَاسْتِعَاذَةٌ . أَيْ : فَلَا تَفْعَلْ بِنَا ذَلِكَ ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْمَلُ بِعَمَلِهَا . وَمَعْنَى أَخْزَيْتَهُ : فَضَحْتَهُ . مِنْ خَزِيَ الرَّجُلُ يَخْزَى خِزْيًا : إِذَا افْتَضَحَ ، وَخِزَايَةً : إِذَا اسْتَحْيَا ، الْفِعْلُ وَاحِدٌ وَاخْتَلَفَ فِي الْمَصْدَرِ ، فَمِنَ الِافْتِضَاحِ خِزْيٌ ، وَمِنَ الِاسْتِحْيَاءِ خَزَايَةٌ . وَمِنْ ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=78وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) أَيْ : لَا تَفْضَحُونِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَهَنْتَهُ . وَقَالَ الْمُفَضَّلُ : أَهْلَكْتَهُ . وَيُقَالُ : خَزَيْتُهُ وَأَخْزَيْتُهُ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا ، وَالرُّبَاعِيُّ أَكْثَرُ وَأَفْصَحُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : الْمَخْزِيُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُذَلُّ الْمَحْقُورُ بِأَمْرٍ قَدْ لَزِمَهُ ، يُقَالُ : أَخْزَيْتُهُ أَلْزَمْتُهُ حُجَّةً أَذْلَلْتُهُ مَعَهَا . وَقَالَ
أَنَسٌ وَسَعِيدٌ ،
وَالسُّدِّيُّ ،
وَمُقَاتِلٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَغَيْرُهُمْ : هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ يَخْلُدُ فِي النَّارِ ، أَمَّا مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَالْإِيمَانِ فَلَيْسَ بِمَخْزِيٍّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ : كُلُّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مَخْزِيٌّ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا ، وَإِنَّ فِي دُونِ ذَلِكَ لَخِزْيًا ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) هُوَ مِنْ قَوْلِ الدَّاعِينَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الظَّالِمُونَ هُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ . وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) وَيُنَاسِبُ هَذَا التَّفْسِيرَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ فِيمَنْ يَخْلُدُ فِي النَّارِ ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّاصِرِ إِمَّا بِمَنْعٍ أَوْ شَفَاعَةِ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَاللَّهُ نَاصِرُهُ وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَافِعُهُ ، وَبَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ يَشْفَعُ لِبَعْضٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192وَمَا لِلظَّالِمِينَ اللَّامُ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ ، وَإِعْلَامٌ بِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ ، فَلَا نَاصِرَ لَهُ بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا . انْتَهَى . وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا ، سَوَاءٌ كَانَ
[ ص: 141 ] كَافِرًا أَمْ فَاسِقًا ، وَ ( مَنْ ) مَفْعُولَةٌ لِفِعْلِ الشَّرْطِ . وَحَكَى بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ مَا نَصُّهُ : وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ ( مَنْ ) مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ . وَأَجَازَ آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ ( مَنْ ) مُبْتَدَأً ، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ الْخَبَرَ . انْتَهَى . أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَصَادِرٌ عَنْ جَاهِلٍ بِعِلْمِ النَّحْوِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِعْرَابُ ( مَنْ ) مُبْتَدَأً فِي غَايَةِ الضَّعْفِ . وَأَمَّا إِدْخَالُهُ جَوَابَ الشَّرْطِ فِي الْخَبَرِ مَعَ فِعْلِ الشَّرْطِ فَجَهَالَةٌ . وَمَنْ أَعْظَمُ وِزْرًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ) ( سَمِعَ ) إِنْ دَخَلَ عَلَى مَسْمُوعٍ تَعَدَّى لِوَاحِدٍ ، نَحْوُ : سَمِعْتُ كَلَامَ زِيدٍ ، كَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَوَاسِّ . وَإِنْ دَخَلَ عَلَى ذَاتٍ وَجَاءَ بَعْدَهُ فِعْلٌ أَوِ اسْمٌ فِي مَعْنَاهُ ، نَحْوُ : سَمِعْتُ زَيْدًا يَتَكَلَّمُ ، وَسَمِعْتُ زَيْدًا يَقُولُ كَذَا ، فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ . مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوِ الِاسْمَ إِنْ كَانَ قَبْلَهُ نَكِرَةٌ كَانَ صِفَةً لَهَا ، أَوْ مَعْرِفَةٌ كَانَ حَالًا مِنْهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوِ الِاسْمَ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِسَمِعَ ، وَجَعَلَ ( سَمِعَ ) مِمَّا يُعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ إِنْ دَخَلَ عَلَى مَسْمُوعٍ ، وَإِلَى اثْنَيْنِ إِنْ دَخَلَ عَلَى ذَاتٍ ، وَهَذَا مَذْهَبُ
أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ . وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ( يُنَادِي ) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ نَكِرَةً ، وَعَلَى مَذْهَبِ
أَبِي عَلِيٍّ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ : تَقُولُ : سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ كَذَا ، وَسَمِعْتُ زَيْدًا يَتَكَلَّمُ ؛ لِتُوقِعَ الْفِعْلَ عَلَى الرَّجُلِ ، وَتَحْذِفَ الْمَسْمُوعَ لِأَنَّكَ وَصَفْتَهُ بِمَا يَسْمَعُ ، أَوْ جَعَلْتَهُ حَالًا عَنْهُ ، فَأَغْنَاكَ عَنْ ذِكْرِهِ . وَلَوْلَا الْوَصْفُ أَوِ الْحَالُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ . وَأَنْ يُقَالَ : سَمِعْتُ كَلَامَ فُلَانٍ ، أَوْ قَوْلَهُ . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَقَوْلُهُ : وَلَوْلَا الْوَصْفُ أَوِ الْحَالُ إِلَى آخِرِهِ - لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَا يَكُونُ وَصْفٌ وَلَا حَالٌ ، وَيَدْخُلُ ( سَمِعَ ) عَلَى ذَاتٍ ، لَا عَلَى مَسْمُوعٍ . وَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يُشْعِرُ بِالْمَسْمُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصْفًا وَلَا حَالًا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ) أَغْنَى ذِكْرُ ظَرْفِ الدُّعَاءِ عَنْ ذِكْرِ الْمَسْمُوعِ .
وَالْمُنَادَى هُنَا هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=46وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ) قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا - أَوِ الْقُرْآنُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ، قَالَ : لِأَنَّ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَلْقَوُا الرَّسُولَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ وَصْفُهُ بِالنِّدَاءِ حَقِيقَةً ، وَعَلَى الثَّانِي مَجَازًا ، وَجُمِعَ بَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193مُنَادِيًا يُنَادِي ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَوَّلَ مُطْلَقًا وَقَيَّدَ الثَّانِيَ تَفْخِيمًا لِشَأْنِ الْمُنَادِي ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَادِيَ أَعْظَمُ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي لِلْإِيمَانِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَادِيَ إِذَا أُطْلِقَ ذَهَبَ الْوَهْمُ إِلَى مُنَادٍ لِلْحَرْبِ ، أَوْ لِإِطْفَاءِ الثَّائِرَةِ ، أَوْ لِإِغَاثَةِ الْمَكْرُوبِ ، أَوْ لِكِفَايَةِ بَعْضِ النَّوَازِلِ ، أَوْ لِبَعْضِ الْمَنَافِعِ . فَإِذَا قُلْتَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ) فَقَدْ رَفَعْتَ مِنْ شَأْنِ الْمُنَادِي وَفَخَّمْتَهُ . وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ( يُنَادِي ) ، وَيُعَدَّى نَادَى ، وَدَعَا ، وَنَدَبَ بِاللَّامِ وَبِإِلَى ، كَمَا يُعَدَّى بِهِمَا هَدَى لِوُقُوعِ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ ، وَانْتِهَاءِ الْغَايَةِ جَمِيعًا . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى إِلَى . لَمَّا كَانَ يُنَادِي فِي مَعْنَى يَدْعُو ؛ حَسُنَ وُصُولُهَا بِاللَّامِ بِمَعْنَى ( إِلَى ) . وَقِيلَ : اللَّامُ لَامُ الْعِلَّةِ ، أَيْ لِأَجْلِ الْإِيمَانِ . وَقِيلَ : اللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ ، أَيْ بِالْإِيمَانِ . وَالسَّمَاعُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، أَيْ سَمِعْنَا صَوْتَ مُنَادٍ . قِيلَ : وَمَنْ جَعَلَ الْمُنَادِيَ هُوَ الْقُرْآنَ ، فَالسَّمَاعُ عِنْدَهُ مَجَازٌ عَنِ الْقَبُولِ ، وَ ( أَنْ ) مُفَسِّرَةٌ ، التَّقْدِيرُ : أَنْ آمِنُوا . وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وُصِلَتْ بِفِعْلِ الْأَمْرِ ، أَيْ : بِأَنْ آمِنُوا . فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَعَلَى الثَّانِي لَهَا مَوْضِعٌ وَهُوَ الْجَرُّ ، أَوِ النَّصْبُ عَلَى الْخِلَافِ . وَعَطْفُ ( فَآمَنَّا ) بِالْفَاءِ مُؤْذِنٌ بِتَعْجِيلِ الْقَبُولِ ، وَتَسْبِيبِ الْإِيمَانِ عَنِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ ، وَالْمَعْنَى : فَآمَنَّا بِكَ أَوْ بِرَبِّنَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا )
[ ص: 142 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الذُّنُوبُ هِيَ الْكَبَائِرُ ، وَالسَّيِّئَاتُ هِيَ الصَّغَائِرُ . وَيُؤَيِّدُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) وَقِيلَ : الذُّنُوبُ تَرْكُ الطَّاعَاتِ ، وَالسَّيِّئَاتُ فِعْلُ الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : غُفْرَانُ الذُّنُوبِ وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ أَمْرٌ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ ، لَكِنَّهُ كُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ ، وَلِأَنَّهَا مَنَاحٍ مِنَ السَّتْرِ وَإِزَالَةِ حُكْمِ الذُّنُوبِ بَعْدَ حُصُولِهِ ، وَالْغُفْرَانُ وَالتَّكْفِيرُ بِمَعْنًى ، وَالذُّنُوبُ وَالسَّيِّئَاتُ بِمَعْنًى ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً ؛ وَلِيَكُونَ فِي ذَلِكَ إِلْحَاحٌ فِي الدُّعَاءِ . فَقَدْ رُوِيَ : (
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ ) . وَقِيلَ : فِي التَّكْفِيرِ مَعْنًى ، وَهُوَ التَّغْطِيَةُ ، لِيَأْمَنُوا الْفُضُوحَ . وَالْكَفَّارَةُ هِيَ الطَّاعَةُ الْمُغَطِّيَةُ لِلسَّيِّئَةِ ، كَالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ . وَرَجُلٌ مُكَفَّرٌ بِالسِّلَاحِ ، أَيْ مُغَطًّى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ) جَمْعُ بَرٍّ ، عَلَى وَزْنِ فَعَلٍ ، كَصَلَفٍ . أَوْ جَمْعُ بَارٍّ عَلَى وَزْنٍ فَاعِلٍ كَضَارِبٍ ، وَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ . وَهُمُ الطَّائِعُونَ لِلَّهِ ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْبِرِّ . وَقِيلَ : هُمْ هُنَا الَّذِينَ بَرُّوا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ . وَ ( مَعَ ) هُنَا مَجَازٌ عَنِ الصُّحْبَةِ الزَّمَانِيَّةِ إِلَى الصُّحْبَةِ فِي الْوَصْفِ ، أَيْ : تَوَفَّنَا أَبْرَارًا مَعْدُودِينَ فِي جُمْلَةِ الْأَبْرَارِ . وَالْمَعْنَى : اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَوَفَّيْتَهُمْ طَائِعِينَ لَكَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى احْشُرْنَا مَعَهُمْ فِي الْجَنَّةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتِنَا عَلَى رُسُلِكَ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ عَلَى رُسُلِهِ ، فَفَسَّرَ هَذَا الْمَوْعُودَ بِهِ بِالْجَنَّةِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقِيلَ : الْمَوْعُودُ بِهِ النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ . وَقِيلَ : اسْتِغْفَارُ الْأَنْبِيَاءِ ، كَاسْتِغْفَارِ
نُوحٍ وَ
إِبْرَاهِيمَ وَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وَاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194عَلَى رُسُلِكَ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، فَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ : عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ . وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : عَلَى تَصْدِيقِ رُسُلِكَ . قَالَ : فَ ( عَلَى ) هَذِهِ صِلَةٌ لِلْوَعْدِ فِي قَوْلِكَ : وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ . وَالْمَعْنَى : مَا وَعَدْتَنَا عَلَى تَصْدِيقِ رُسُلِكَ . أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ أَتْبَعَ ذِكْرَ الْمُنَادِي لِلْإِيمَانِ وَهُوَ الرَّسُولُ ، وَقَوْلُهُ : ( آمَنَّا ) وَهُوَ التَّصْدِيقُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ ، أَيْ : مَا وَعَدْتَنَا مُنْزِلًا عَلَى رُسُلِكَ ، أَوْ مَحْمُولًا عَلَى رُسُلِكَ ؛ لِأَنَّ الرُّسُلَ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ . انْتَهَى . وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَ آخِرًا أَنَّهُ يَجُوزُ لَيْسَ بِجَائِزٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ وَالظَّرْفَ مَتَى كَانَ الْعَامِلُ فِيهِمَا مُقَيَّدًا ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الْعَامِلِ ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ ، وَلَا يُحْذَفُ الْعَامِلُ إِلَّا إِذَا كَانَ كَوْنًا مُطْلَقًا . مِثَالُ ذَلِكَ : زَيْدٌ ضَاحِكٌ فِي الدَّارِ ، لَا يَجُوزُ حَذْفُ ضَاحِكٌ أَلْبَتَّةَ . وَإِذَا قُلْتَ : زِيدٌ فِي الدَّارِ فَالْعَامِلُ كَوْنٌ مُطْلَقٌ يُحْذَفُ . وَكَذَلِكَ : زِيدٌ نَاجٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، لَا يَجُوزُ حَذْفُ نَاجٍ . وَلَوْ قُلْتَ : زِيدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ؛ جَازَ عَلَى تَقْدِيرِ : كَائِنٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، وَالْمَحْذُوفُ فِيمَا جَوَّزَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : مُنْزَلًا أَوْ مَحْمُولًا ، لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ .
وَإِذَا كَانَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ أَوِ الْمَجْرُورِ مُقَيَّدًا صَارَ ذَلِكَ الظَّرْفُ أَوِ الْمَجْرُورُ نَاقِصًا ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ صِلَةً ، وَلَا خَبَرًا لَا فِي الْحَالِ ، وَلَا فِي الْأَصْلِ ، وَلَا صِفَةً ، وَلَا حَالًا . وَمَعْنَى سُؤَالِهِمْ : أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ : أَنْ يُثِيبَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ حَتَّى يَكُونُوا مِمَّنْ يُؤْتِيهُمُ اللَّهُ مَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ تَعَالَى مُنْجِزٌ مَا وَعَدَ ، فَسَأَلُوا إِنْجَازَ مَا تَرَتَّبَ عَلَى الْإِيمَانِ . وَالْمَعْنَى : التَّثْبِيتُ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونُوا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْجَازَ الْوَعْدِ . وَقِيلَ : هَذَا السُّؤَالُ جَاءَ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّضَرُّعِ لَهُ ، كَمَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَسْتَغْفِرُونَ ، مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ ، يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ التَّذَلُّلَ وَالتَّضَرُّعَ إِلَيْهِ وَالِالْتِجَاءَ . وَقِيلَ : اسْتَبْطَئُوا النَّصْرَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ فَسَأَلُوا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ وَعْدَهُ ، فَعَلَى هَذَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْعُودُ بِهِ النَّصْرَ يَكُونُ الْإِيتَاءُ فِي الدُّنْيَا ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ الْجَنَّةَ يَكُونُ
[ ص: 143 ] الْإِيتَاءُ فِي الْآخِرَةِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : ( عَلَى رُسْلِكَ ) بِإِسْكَانِ السِّينِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فُسِّرَ الْإِخْزَاءُ هُنَا بِمَا فُسِّرَ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ . وَ ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وَلَا تُخْزِنَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ ، إِذْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194تُخْزِنَا ) وَبِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا ) ، إِذَا كَانَ الْمَوْعُودُ بِهِ الْجَنَّةَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا ) . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) فَهَذَا وَعْدُهُ تَعَالَى ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْخِزْيَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْخُلُودِ . انْتَهَى .
وَانْظُرْ إِلَى حُسْنِ مُحَاوَرَةِ هَؤُلَاءِ الذَّاكِرِينَ الْمُتَفَكِّرِينَ ، فَإِنَّهُمْ خَاطَبُوا اللَّهَ تَعَالَى بِلَفْظَةِ ( رَبَّنَا ) ، وَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَبُّهُمْ أَصْلَحَهُمْ وَهَيَّأَهُمْ لِلْعِبَادَةِ ، فَأَخْبَرُوا أَوَّلًا بِنَتِيجَةِ الْفِكْرِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ) ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَقِيَهُمُ النَّارَ بَعْدَ تَنْزِيهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ . وَأَخْبَرُوا عَنْ حَالِ مَنْ يَدْخُلِ النَّارَ وَهُمُ الظَّالِمُونَ الَّذِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ ، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَصْنُوعَاتِهِ . ثُمَّ ذَكَرُوا أَيْضًا مَا أَنْتَجَ لَهُمُ الْفِكْرُ مِنْ إِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى الْإِيمَانِ ، إِذْ ذَاكَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَا خَلَقَ هَذَا الْخَلْقَ الْعَجِيبَ بَاطِلًا . ثُمَّ سَأَلُوا غُفْرَانَ ذُنُوبِهِمْ وَوَفَاتَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ الَّذِي أَخْبَرُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ : فَآمَنَّا ثُمَّ سَأَلُوا اللَّهَ الْجَنَّةَ وَأَنْ لَا يَفْضَحَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَذَلِكَ هُوَ غَايَةُ مَا سَأَلُوهُ .
وَتَكَرَّرَ لَفْظُ ( رَبَّنَا ) خَمْسَ مَرَّاتٍ ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْطَافِ وَتَطَلُّبِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِنِدَائِهِ بِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ الدَّالِّ عَلَى التَّرْبِيَةِ وَالْمِلْكِ وَالْإِصْلَاحِ . وَكَذَلِكَ تَكَرَّرَ هَذَا الِاسْمُ فِي قِصَّةِ
آدَمَ وَ
نُوحٍ وَغَيْرِهِمَا . وَفِي تَكْرَارِ ( رَبَّنَا . . . . . . رَبَّنَا ) دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=19769الْإِلْحَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَاعْتِمَادِ كَثْرَةِ الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى . وَفِي الْحَدِيثِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374148أَلِظُّوا بِـ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ، وَقَالَ
الْحَسَنُ : مَا زَالُوا يَقُولُونَ رَبَّنَا رَبَّنَا حَتَّى اسْتَجَابَ لَهُمْ . وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَجْمَعَ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ خِلَافًا لِبَعْضِ
الصُّوفِيَّةِ ، إِذْ أَجَازَ ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ لَا بِالدُّنْيَا ، وَلِبَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ أَيْضًا إِذْ قَالَ : اللَّهُ تَعَالَى تَوَلَّى مَنِ اتَّبَعَ الْأَمْرَ وَاجْتَنَبَ النَّهْيَ وَارْتَفَعَ عَنْهُ كُلَفَ طَلَبَاتِهِ وَدُعَائِهِ . خَرَّجَ
أَبُو نَصْرٍ الْوَايِلِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : (
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ ) يَعْنِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32642وَيُسْتَحَبُّ لِمَنِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى وَجْهِهِ ، وَيَسْتَفْتِحَ قِيَامَهُ بِقِرَاءَةِ هَذَا الْعَشْرِ آيَاتٍ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ التَّفَكُّرِ وَالْعَمَلِ .