وقرأ الزهري والحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر بكسر لام الأمر في : ( وليخش ) ، وفي : ( فليتقوا ) ، ( وليقولوا ) . وقرأ الجمهور بالإسكان . ومفعول ( وليخش ) محذوف ، ويحتمل أن يكون اسم الجلالة ، أي الله ، ويحتمل أن يكون هذا الحذف على طريق الإعمال ، أعمل ( فليتقوا ) . وحذف معمول الأول ، إذ هو منصوب يجوز أن يحذف اقتصارا ، فكان حذفه اختصارا أجوز ، ويصير نحو قولك : أكرمت فبررت زيدا . وصلة ( الذين ) الجملة من ( لو ) وجوابها . قال ابن عطية : تقديره : لو تركوا لخانوا . ويجوز حذف اللام في جواب ( لو ) ، تقول : لو قام زيد لقام عمرو ، ولو قام زيد قام عمرو ، انتهى كلامه . وقال : معناه وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم ، خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم كما قال القائل : الزمخشري
لقد زاد الحياة إلي حبا بناتي إنهن من الضعاف أحاذر أن يرثن البؤس بعدي
وأن يشربن رنقا بعد صاف
فظاهر هذه النصوص أن ( لو ) هنا التي تكون تعليقا في الماضي ، وهي التي يعبر عنها بأنها حرف لما كان يقع لوقوع غيره . ويعبر غيره عنها بأنها حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره . وذهب صاحب التسهيل : إلى أن ( لو ) هنا شرطية بمعنى ( إن ) فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال ، والتقدير : وليخش الذين إن تركوا من خلفهم . قال : ولو وقع بعد ( لو ) هذه مضارع لكان مستقبل المعنى ، كما يكون بعد ( إن ) ، قال الشاعر : سيبويه
لا يلفك الراجوك إلا مظهرا خلق الكريم ولو تكون عديما
وكأن قائل هذا توهم أنه لما أمروا بالخشية ، والأمر مستقبل ، ومتعلق الأمر هو موصول - لم يصلح أن تكون الصلة ماضية على تقدير دالة على العدم الذي ينافي امتثال الأمر . وحسن مكان ( لو ) لفظ ( إن ) فقال : [ ص: 178 ] إنها تعليق في المستقبل ، وأنها بمعنى ( إن ) . وكأن عرض له هذا التوهم ، فلذلك قال : معناه وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا ، فلم تدخل ( لو ) على مستقبل ، بل أدخلت على ( شارفوا ) الذي هو ماض أسند للموصول حالة الأمر . وهذا الذي توهموه لا يلزم في الصلة إلا إن كانت الصلة ماضية في المعنى ، واقعة بالفعل . إذ معنى : لو تركوا من خلفهم ، أي ماتوا فتركوا من خلفهم ، فلو كان كذلك للزم التأويل في ( لو ) أن تكون بمعنى ( إن ) ، إذ لا يجامع الأمر بإيقاع فعل من مات بالفعل . أما إذا كان ماضيا على تقدير يصح أن يقع صلة ، وأن يكون العامل في الموصول الفعل المستقبل ، نحو قولك : ليزرنا الذي لو مات أمس بكيناه . وأصل ( لو ) أن تكون تعليقا في الماضي ، ولا يذهب إلى أنه يكون في المستقبل بمعنى : إن ، إلا إذ دل على ذلك قرينة كالبيت المتقدم . لأن جواب ( لو ) فيه محذوف مستقبل لاستقبال ما دل عليه ، وهو قوله : لا يلفك . وكذلك قوله : الزمخشري
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار
لدخول ما بعدها في حيز ( إذا ) ، و ( إذا ) للمستقبل . ولو قال قائل : لو قام زيد قام عمر ، ولتبادر إلى الذهن أنه تعليق في الماضي دون المستقبل . و ( من خلفهم ) متعلق بـ ( تركوا ) . وأجاز أبو البقاء أن يكون في موضع الحال من ( ذرية ) .
وقرأ الجمهور ( ضعافا ) جمع ضعيف ، كظريف وظراف . وأمال فتحة العين حمزة ، وجمعه على فعال قياس . وقرأ ابن محيصن : ضعفا بضمتين ، وتنوين الفاء . وقرأت عائشة ، و السلمي ، ، والزهري وأبو حيوة ، وابن محيصن أيضا : ضعفاء بضم الضاد والمد ، كظريف وظرفاء ، وهو أيضا قياس . وقرئ : ( ضعافى ) و ( ضعافى ) بالإمالة ، نحو سكارى وسكارى . وأمال حمزة ( خافوا ) للكسرة التي تعرض له في نحو : خفت . وانظر إلى حسن ترتيب هذه الأوامر حيث بدأ أولا بالخشية التي محلها القلب وهي الاحتراز من الشيء بمقتضى العلم ، وهي الحاملة على التقوى ، ثم أمر بالتقوى ثانيا وهي متسببة عن الخشية ، إذ هي جعل المرء نفسه في وقاية مما يخشاه . ثم أمر بالقول السديد ، وهو ما يظهر من الفعل الناشئ عن التقوى الناشئة عن الخشية . ولا يراد تخصيص القول السديد فقط ، بل المعنى على الفعل والقول السديدين . وإنما اقتصر على القول السديد لسهولة ذلك على الإنسان ، كأنه قيل : أقل ما يسلك هو القول السديد . قال مجاهد : يقولون للذين يفرقون المال زد فلانا وأعط فلانا . وقيل : هو الأمر بإخراج الثلث فقط . وقيل : هو تلقين المحتضر الشهادة . وقيل : الصدق في الشهادة . وقيل : الموافق للحق . وقيل : للعدل . وقيل : للقصد . وكلها متقاربة .
والسداد : الاستواء في القول والفعل . وأصل السد إزالة الاختلال . والسديد يقال في معنى الفاعل ، وفي معنى المفعول . ورجل سديد متردد بين المعنيين ، فإنه يسدد من قبل متبوعه ، ويسدد لتابعه .