( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) ظاهر هذا أنه متعلق بقوله : وربائبكم فقط . واللاتي : صفة ل ( نسائكم ) المجرور بـ ( من ) ، ولا جائز أن يكون ( اللاتي ) وصفا ل ( نسائكم ) من قوله : وأمهات نسائكم ، و ( نسائكم ) المجرور بـ ( من ) ، لأن العامل في المنعوتين قد اختلف : هذا مجرور بمن ، وذاك مجرور بالإضافة . ولا جائز أن يكون ( من نسائكم ) متعلقا بمحذوف ينتظم أمهات نسائكم وربائبكم ، لاختلاف مدلول حرف الجر إذ ذاك ، لأنه بالنسبة إلى قوله : وأمهات نسائكم يكون من نسائكم لبيان النساء ، وتمييز المدخول بها من غير المدخول بهن . وبالنسبة إلى قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، يكون ( من نسائكم ) لبيان ابتداء الغاية ؛ كما تقول : هذا ابني من فلانة . قال الزمخشري : إلا أن أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل ( من ) للاتصال كقوله تعالى : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض )
فإني لست منك ولست مني ما أنا من دد ولا الدد مني
وأمهات النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن . كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن ، لأنهن بناتهن . انتهى . ولا نعلم أحدا ذهب إلى أن من معاني ( من ) الاتصال . وأما ما شبه به من الآية والشعر والحديث ، فمتأول : وإذا جعلنا ( من نسائكم ) متعلقا بالنساء والربائب كما زعم الزمخشري . فلا بد من صلاحيته لكل من النساء والربائب . فأما تركيبه مع الربائب ففي غاية الفصاحة والحسن ، وهو نظم الآية . وأما تركيبه مع قوله : وأمهات نسائكم ، فإنه يصير : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فهذا تركيب لا يمكن أن يقع في القرآن ، ولا في كلام فصيح ، لعدم الاحتياج في إفادة هذا المعنى إلى قوله : من نسائكم . والدخول هنا كناية عن الجماع لقولهم : بنى عليها ، وضرب عليها الحجاب .والباء للتعدية ، والمعنى : اللاتي أدخلتموهن الستر ، قاله : ابن عباس ، و طاوس ، وابن دينار . فلو طلقها بعد البناء وقبل الجماع ، جاز أن يتزوج ابنتها . وقال عطاء ، و مالك ، وأبو حنيفة ، و الثوري ، و الأوزاعي ، و الليث : إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها ، وحرمت على الأب والابن ، وهو أحد قولي الشافعي . واختلفوا في النظر إليها بشهوة ، فقال ابن أبي ليلى : لا يحرم النظر حتى تلمس ، وهو قول الشافعي . وقال مالك : يحرم النظر إلى شعرها ، أو شيء من محاسنها بلذة . وقال الكوفيون : يحرم النظر إلى فرجها بشهوة . وقال الثوري : يحرم إذا كان تعمد النظر إلى فرجها ، ولم يذكر الشهوة . وقال عطاء ، و حماد بن أبي سليمان : إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمها ولا ابنتها ، وعدوا هذا الحكم إلى الإماء . وقال الحسن : إذا ملك الأمة وغمزها بشهوة ، أو كشفها ، أو قبلها ، لا تحل لولده بحال . وأمر مسروق أن تباع جاريته بعد موته وقال : أما إني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر . وجرد عمر أمة خلا بها فاستوهبها ابن له ، فقال : لا تحل لك .


