( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) قال الجمهور ومنهم : الإحصان هنا الإسلام . والمعنى : أن الأمة المسلمة عليها نصف حد الحرة المسلمة . وقد ضعف هذا القول ، بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت في قوله : ( ابن مسعود من فتياتكم المؤمنات ) فكيف يقال في المؤمنات : فإذا أسلمن ؟ قاله : . وقال إسماعيل القاضي ابن عطية : ذلك غير لازم ، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد ، فإذا كن على هذه الصفة المتقدمة من الإيمان فإن أتين فعليهن ، وذلك سائغ صحيح انتهى . وليس كلامه بظاهر ، لأن أسلمن فعل دخلت عليه أداة الشرط ، فهو مستقبل مفروض التجدد والحدوث فيما يستقبل ، فلا يمكن أن يعبر به عن الإسلام ، لأن الإسلام متقدم سابق لهن . ثم إنه شرط جاء بعد قوله تعالى : ( فانكحوهن ) فكأنه قيل : فإذا أحصن بالنكاح ، فإن أتين .
ومن فسر الإحصان هنا بالإسلام جعله شرطا في وجوب الحد ، فلو زنت الكافرة لم تحد ، وهذا قول ، و الشعبي ، وغيرهما ، وقد روي عن الزهري . وقالت فرقة : هو التزويج ، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قاله الشافعي ، ابن عباس والحسن ، ، وابن جبير والسدي . وقالت فرقة : هو التزوج . وتحد الأمة المسلمة بالسنة ، تزوجت أو لم تتزوج ، بالحديث الثابت في صحيح البخاري ومسلم ، وهو أنه قيل : . قال يا رسول الله ، الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فأوجب عليها الحد : فالمتزوجة محدودة بالقرآن ، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث . وهذا السؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا أن معنى : فإذا أحصن ، تزوجن . وجواب الرسول : يقتضي تقرير ذلك ، ولا مفهوم لشرط الإحسان الذي هو التزوج ، لأنه وجب عليه الحد بالسنة وإن لم تحصن ، وإنما نبه على حالة الإحصان الذي هو التزوج ، لئلا يتوهم أن حدها إذا تزوجت كحد الحرة إذا أحصنت وهو الرجم ، فزال هذا التوهم بالإخبار : أنه ليس عليها إلا نصف الحد الذي يجب على الحرائر اللواتي لم يحصن بالتزويج ، وهو الجلد خمسين . الزهري
والمراد بالعذاب الجلد كقوله تعالى : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ولا يمكن أن يراد الرجم ، لأن الرجم لا يتنصف . والمراد بفاحشة هنا : الزنا ، بدليل إلزام الحد . والظاهر أنه يجب نصف ما على الحرة من العذاب ، والحرة عذابها جلد مائة وتغريب عام ، فحد الأمة خمسون وتغريب ستة أشهر . وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين ، واختاره . وذهب الطبري والجمهور : إلى أنه ليس عليها إلا جلد خمسين فقط ، ولا تغرب . فإن كانت الألف واللام في ( العذاب ) لعهد العذاب المذكور في القرآن فهو الجلد فقط ، وإن كانت للعهد في العذاب المستقر في الشرع على الحرة كان الجلد والتغريب . والظاهر وجوب الحد من قوله : فعليهن ، فلا يجوز العفو عن الأمة من السيد إذا زنت ، وهو مذهب الجمهور . وذهب ابن عباس الحسن إلى أن للسيد أن يعفو ، ولم تتعرض الآية لمن يقيم الحد عليها .
قال : مضت السنة أن يحد الأمة والعبد في الزنا أهلوهم ، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان ، فليس لأحد أن يفتات عليه . وقال ابن شهاب : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من وئدهم إذا زنت في مجالسهم . وأقام الحد على عبيدهم جماعة من الصحابة ، منهم : ابن أبي ليلى ، و ابن عمر أنس . وجاءت بذلك ظواهر الأحاديث كقوله : ( ) وبه قال إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد الثوري . وقال والأوزاعي مالك والليث : يحد السيد إلا في القطع ، فلا يقطع إلا الإمام . وقال أبو حنيفة : لا يقيم الحدود على العبيد [ ص: 224 ] والإماء إلا السلطان دون الموالي ، وظاهر الآية يدل على وجوب الحد عليها في حال كونها أمة ، فلو عتقت قبل أن يقام عليها الحد أقيم عليها حد أمة ، وهذا مجمع عليه . والمحصنات هنا الأبكار الحرائر ، لأن الثيب عليها الرجم . وظاهر الآية أنه لا يجب إلا هذا الحد . وذهب أهل الظاهر منهم داود : إلى أنه يجب بيعها إذا زنت زنية رابعة .
وقرأ حمزة : ( أحصن ) مبنيا للفاعل ، وباقي السبعة : مبنيا للمفعول إلا والكسائي عاصما ، فاختلف عنه . ومن بناه للمفعول فهو ظاهر حدا في أنه أريد به التزوج ، ويقوي حمله مبنيا للفاعل على هذا المعنى أي : أحصن أنفسهن بالتزويج . وجواب فإذا الشرط وجوابه وهو قوله : فإن أتين بفاحشة فعليهن ، فالفاء في ( فإن أتين ) هي فاء الجواب ، لا فاء العطف ، ولذلك ترتب الثاني ، وجوابه على وجود الأول ، لأن الجواب مترتب على الشرط في الوجود ، وهو نظير : إن دخلت الدار فإن كلمت زيدا فأنت طالق ، لا يقع الطلاق إلا إذا دخلت الدار أولا ثم كلمت زيدا ثانيا . ولو أسقطت الفاء من الشرط الثاني لكان له حكم غير هذا وتفصيل ذكر في النحو . و ( من العذاب ) في موضع الحال من الضمير المستكن في صلة ( ما ) .