( أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ) أهل الكتاب هم اليهود والنصارى ، والرسول ه ومحمد ، صلى الله عليه وسلم . وقيل : المخاطب بأهل الكتاب هنا هم اليهود خاصة ، ويرجحه ما روي في سبب النزول وأن ، معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب ، قالوا : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله .
ويبين لكم ; أي : يوضح لكم ويظهر . ويحتمل أن يكون مفعول يبين حذف اختصارا ، أو يكون هو المذكور في الآية قبل هذا ; أي : يبين لكم ما كنتم تخفون ، أو يكون دل عليه معنى الكلام ; أي : شرائع الدين . أو حذف اقتصارا واكتفاءا بذكر التبيين مسندا إلى الفاعل ، دون أن يقصد تعلقه بمفعول ; والمعنى : يكون منه التبيين والإيضاح . ويبين لكم هنا وفي الآية قبل في موضع نصب على الحال . و على فترة ، [ ص: 452 ] متعلق بـ جاءكم ، أو في موضع نصب على الحال ; والمعنى : على فتور وانقطاع من إرسال الرسل .
والفترة التي كانت بين رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، و عيسى ، عليه السلام ، ، قال قتادة : خمسمائة سنة وستون . وقال الضحاك : أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة . وقيل : أربعمائة ونيف وستون . وذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات له عن : إن كان بين ميلاد ابن عباس عيسى والنبي ، عليهما الصلاة والسلام ، خمسمائة سنة وتسع وستون سنة ، بعث في أولها ثلاثة أنبياء . وهو قوله تعالى : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ) وهو شمعون وكان من الحواريين . وقال الكلبي مثل قول إلا أنه قال : بينهما أربعة أنبياء ، واحد من العرب من ابن عباس بني عبس وهو خالد بن سنان الذي قال فيه النبي ، صلى الله عليه وسلم : " ضيعه قومه " . وروي عن الكلبي أيضا خمسمائة وأربعون . وقال وهب : ستمائة سنة وعشرون . وقيل : سبعمائة سنة . وقال مقاتل : ستمائة سنة ، وروي هذا عن قتادة والضحاك . وذكر ابن عطية أن هذا روي في الصحيح . فإن كانا كما ذكر وجب أن لا يعدل عنه لسواه . وهذه التواريخ نقلها المفسرون من كتب اليونان وغيرهم ممن لا يتحرى النقل . وذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس عن والزمخشري الكلبي قالا : كان بين موسى و عيسى ألف سنة وسبعمائة سنة ، وألف نبي ، زاد من بني إسرائيل دون من أرسل من غيرهم ، ولم يكن بينهما فترة ; والمعنى : الامتنان عليهم بإرسال الرسل على حين انطمست آثار الوحي ، وهم أحوج ما يكونون إليه ليعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب إلى الرحمة ، ويلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم . وأن تقولوا : مفعول من أجله فقدره البصريون : كراهة أو حذار أن تقولوا . وقدره ابن عباس الفراء : لئلا تقولوا . ويعني يوم القيامة على سبيل الاحتجاج .
( فقد جاءكم بشير ونذير ) قيل : وفي الكلام حذف ; أي : لا تعتدوا فقد جاءكم بشير ; أي : لمن أطاع بالثواب ، ونذير لمن عصى بالعقاب . وفي هذا رد على اليهود ، حيث قالوا : ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده . ( والله على كل شيء قدير ) هذا عام فقيل على كل شيء من الهداية والضلال . وقيل : من البعثة وإمساكها . والأولى العموم ، فيندرج فيه ما ذكروا .