الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن : نزلت في الجاحدين حكم الله ، وهي عامة في كل من جحد حكم الله . وقال البراء بن عازب : نزل ( يا أيها الرسول إلى فأولئك هم الكافرون ) في اليهود خاصة ، وذكر قصة رجم اليهوديين . وقيل لحذيفة : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) نزلت في بني إسرائيل ؟ قال : نعم . وقال الحسن وأبو مجلز وأبو جعفر : هي في اليهود . وقال الحسن : هي علينا واجبة . وقال قتادة : ذكر لنا أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يقول لما نزلت هذه الآية : ( نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان ) وفي الآية ترغيب لليهود بأن يكونوا كمتقدميهم من مسلمي أحبارهم ، وتنبيه المنكرين لوجوب الرجم . وقال جماعة : الهدى والنور سواء ، وكرر للتأكيد . وقال قوم : ليسا سواء ، فالهدى محمول على بيان الأحكام ، والنور والبيان للتوحيد والنبوة والمعاد . قال الزمخشري : يهدي للعدل والحق ، ونور يبين ما استبهم من الأحكام . وقال ابن عطية : الهدى : الإرشاد المعتقد والشرائع ، والنور ما يستضاء به من أوامرها ونواهيها . وقيل : المعنى فيها بيان أمر الرسول وما جاءوا يستفتون فيه .

( يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) ظاهر قوله : النبيون ، الجمع . قالوا : وهم من لدن موسى إلى عيسى . وقال عكرمة : محمد ومن قبله من الأنبياء . وقيل : النبيون الذين هم على دين إبراهيم . وقال الحسن والسدي : هو محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وذلك حين حكم على اليهود بالرجم وذكره بلفظ الجمع كقوله : أم يحسدون الناس ، والذين أسلموا ، وصف مدح الأنبياء كالصفات التي تجري على الله تعالى ، وأريد بإجرائها التعريض باليهود والنصارى ، حيث قالت اليهود : إن الأنبياء كانوا يهودا ، والنصارى قالت : كانوا نصارى ، فبين أنهم كانوا مسلمين ، كما كان إبراهيم ، عليه السلام . ولذلك جاء : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) ونبه بهذا الوصف أن اليهود والنصارى بعداء من هذا الوصف الذي هو الإسلام ، وأنه كان دين الأنبياء كلهم قديما وحديثا . والظاهر أن الذين هادوا متعلق بقوله : يحكم بها النبيون . وقيل : بأنزلنا . وقيل التقدير : هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون . وفي قوله : للذين هادوا ، تنبيه على أنهم ليسوا مسلمين ، بل هم بعداء من ذلك . واللام في للذين هادوا إذا علقت بيحكم للاختصاص ، فيشمل من يحكم له ومن يحكم عليه . وقيل : ثم محذوف ; أي : للذين هادوا وعليهم . وقيل : اللام بمعنى على ; أي : على الذين هادوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية