( ولا تتبع أهواءهم ) تقدم شرح هذه الجملة . ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) أي : يستزلوك . وحذره عن ذلك ، وإن كان مأيوسا من فتنتهم إياه لقطع أطماعهم ، وقال : عن بعض ، لأن الذي سألوه هو أمر جزئي ، سألوه أن يقضي لهم فيه على خصومهم فأبى منه . وموضع أن يفتنوك نصب على البدل ، ويكون مفعولا من أجله .
( فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) أي : فإن تولوا عن الحكم بما أنزل الله وأرادوا غيره ; ومعنى : أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، أن يعذبهم ببعض آثامهم . وأبهم بعضا هنا ويعني به ; والله أعلم ; التولي عن حكم الله وإرادة خلافه ، فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك ، وأراد أنهم ذوو ذنوب جمة كثيرة لا العدد ، وهذا الذنب مع عظمه وهذا الإبهام فيه تعظيم التولي وفرط إسرافهم في ارتكابه ، ونظيره قول لبيد :
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
أراد نفسه وقصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام ، كأنه قال : نفسا كبيرة أو نفسا أي نفس ، وهذا الوعد بالمصيبة قد أنجزه له تعالى بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنضير وإجلاء عمر ، رضي الله عنه ، أهل خيبر وفدك وغيرهم . قال ابن عطية : وخصص إصابتهم ببعض الذنوب ، لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا ; وذنوبهم فيها نوعان : نوع يخصهم ، كشرب الخمر وزناهم ورشاهم ; ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كممالأتهم للكفار ، وأقوالهم في الدين ، فهذا النوع هو الذي توعدهم الله به في الدنيا ، وإنما يعذبون بكل الذنوب في الآخرة . وقال ابن عطية أيضا : فإن تولوا ، قبله محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر ، تقديره : لا تتبع واحذر ، فإن حكموك مع ذلك واستقاموا فنعما ذلك ، وإن تولوا فاعلم . ويحسن أن يقدر هذا المحذوف المعادل لقوله : لفاسقون . انتهى . ولا يحتاج إلى تقدير هذا .
( وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) أي : متمردون مبالغون في الخروج عن طاعة الله . وقال : المراد بالفسق هنا : الكفر . وقال ابن عباس مقاتل : المعاصي . وقال ابن زيد : الكذب ; وظاهر الناس العموم ، وإن كان السياق في اليهود ، وجاء بلفظ العموم لينبه من سواهم . ويحتمل أن يكون الناس للعهد ، وهم اليهود الذين تقدم ذكرهم .