قال تعالى : ( نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ( 31 ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ( 32 ) ) .
قوله تعالى : ( خطأ ) : يقرأ بكسر الخاء وسكون الطاء والهمز ، وهو مصدر خطئ ، مثل علم علما .
وبكسر الخاء وفتح الطاء من غير همز ; وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مصدر ، مثل شبع شبعا ، إلا أنه أبدل الهمزة ألفا في المصدر ، وياء في الفعل لانكسار ما قبلها . والثاني : أن يكون ألقى حركة الهمزة على الطاء فانفتحت ، وحذف الهمزة . والثالث : أن يكون خفف الهمزة بأن قلبها ألفا على غير القياس فانفتحت الطاء .
ويقرأ كذلك إلا أنه بالهمزة مثل عنب .
ويقرأ بالفتح والهمز مثل " نصب " وهو كثير . ويقرأ بالكسر والمد مثل : قام قياما .
( الزنا ) الأكثر القصر ، والمد لغة . وقد قرئ به .
وقيل : هو مصدر زانى ، مثل قاتل قتالا ; لأنه يقع من اثنين .
قال تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( 33 ) ) .
قوله تعالى : ( فلا يسرف ) : الجمهور على التسكين ; لأنه نهي .
ويقرأ بالياء ، والفاعل ضمير الولي . وبالتاء : أي لا تسرف أيها المقتص ، أو المبتدئ بالقتل ; أي لا تسرف بتعاطي القتل . وقيل : التقدير : يقال له : لا تسرف .
[ ص: 127 ] ( إنه ) : في الهاء ستة أوجه ; أحدها : هي راجعة إلى الولي . والثاني : إلى المقتول . والثالث : إلى الدم . والرابع : إلى القتل .
والخامس : إلى الحق .
والسادس : إلى القاتل ; أي إذا قتل سقط عنه عقاب القتل في الآخرة .
قال تعالى : ( حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( 34 ) ) .
قوله تعالى : ( إن العهد كان مسئولا ) : فيه وجهان :
أحدهما : تقديره : إن ذا العهد ; أي كان مسئولا بعهده . والثاني : أن الضمير راجع إلى العهد ، ونسب السؤال إليه مجازا ، كقوله تعالى : ( وإذا الموءودة سئلت ) [ التكوير : 8 ] . قال تعالى : ( ذلك خير وأحسن تأويلا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ( 35 ) ) .
قوله تعالى : ( بالقسطاس ) : يقرأ بضم القاف وكسرها ; وهما لغتان .
و ( تأويلا ) : بمعنى مآلا .
قال تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ولا تقف ما ليس لك به علم ( 36 ) ) .
قوله تعالى : ( ولا تقف ) : الماضي منه : قفا ، إذا تتبع . ويقرأ بضم القاف وإسكان الفاء مثل تقم ; وماضيه قاف يقوف ، إذا تتبع أيضا .
( كل ) : مبتدأ ، و " أولئك " : إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد ، وأشير إليها بأولئك وهي في الأكثر لمن يعقل ; لأنه جمع ذا ، وذا لمن يعقل ولما لا يعقل ; وجاء في الشعر :
بعد أولئك الأيام و ( كان ) وما عملت فيه : الخبر ، واسم كان يرجع إلى كل ، والهاء في " عنه " ترجع إلى كل أيضا ، و " عن " يتعلق بمسئول . والضمير في مسئول لكل أيضا ; والمعنى : إن السمع يسأل عن نفسه ; على المجاز .
ويجوز أن يكون الضمير في كان لصاحب هذه الجوارح ; لدلالتها عليه .
وقال : يكون " عنه " في موضع رفع بمسئول ; كقوله : ( الزمخشري غير المغضوب [ ص: 128 ] عليهم ) [ الفاتحة : 7 ] وهذا غلط ; لأن الجار والمجرور يقام مقام الفاعل إذا تقدم الفعل ، أو ما يقوم مقامه . وأما إذا تأخر فلا يصح ذلك فيه ; لأن الاسم إذا تقدم على الفعل صار مبتدأ ، وحرف الجر إذا كان لازما لا يكون مبتدأ . ونظيره قولك : بزيد انطلق . ويدلك على ذلك أنك لو ثنيت لم تقل : بالزيدين انطلقا ، ولكن تصحيح المسألة أن تجعل الضمير في " مسئولا " للمصدر ; فيكون " عنه " في موضع نصب ، كما تقدر في قولك : بزيد انطلق .