سورة الذاريات .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( والذاريات ذروا ( 1 ) فالحاملات وقرا ( 2 ) فالجاريات يسرا ( 3 ) فالمقسمات أمرا ( 4 ) ) .
قوله تعالى : ( ذروا ) : مصدر العامل فيه اسم الفاعل . و ( وقرا ) : مفعول " الحاملات " و ( يسرا ) : مصدر في موضع الحال ؛ أي ميسرة . و ( أمرا ) : مفعول " المقسمات " .
قال تعالى : ( يؤفك عنه من أفك ( 9 ) ) .
قوله تعالى : ( يؤفك عنه ) : الهاء عائدة على الدين ؛ أو على " ما توعدون " .
[ ص: 418 ] وقيل : على " قول مختلف " أي يصرف عن ذلك من صرف عن الحق .
قال تعالى : ( يوم هم على النار يفتنون ( 13 ) ) .
قوله تعالى : ( يوم هم ) : هو مبني على الفتح لإضافته إلى الجملة ، وموضعه رفع ؛ أي هو يوم هم . . . .
وقيل : هو معرب ، وفتح على حكم الظرف . وقيل : موضعه نصب ؛ أي أعني يومهم .
وقيل : هو ظرف للدين ؛ أي يوم الجزاء . وقيل : التقدير : يجازون يوم هم .
و ( هم ) : مبتدأ و " يفتنون " : الخبر وعداه بعلى ؛ لأن المعنى يجبرون على النار .
وقيل : هو بمعنى في .
قال تعالى : ( إن المتقين في جنات وعيون ( 15 ) آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ( 16 ) ) .
و ( آخذين ) : حال من الضمير في الظرف والظرف خبر إن .
فإن قيل : كيف جاء الظرف هنا خبرا ؛ و " آخذين " حالا ، وعكس ذلك في قوله : ( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ) [ الزخرف : 74 ] .
قيل : الخبر مقصود الجملة ، والغرض من ذكر المجرمين الإخبار عن تخليدهم ؛ لأن المؤمن قد يكون في النار ؛ ولكن يخرج منها ؛ فأما " إن المتقين . . . " فجعل الظرف فيها خبرا ؛ لأنهم يأمنون الخروج منها ، فجعل آخذين فضلة .
قال تعالى : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ( 17 ) وبالأسحار هم يستغفرون ( 18 ) ) .
قوله تعالى : ( كانوا قليلا ) : في خبر " كان " وجهان :
أحدهما : " ما يهجعون " وفي " ما " على هذا وجهان : أحدهما : هي زائدة ؛ أي كانوا يهجعون قليلا ، و " قليلا " نعت لظرف ، أو مصدر ؛ أي زمانا قليلا ، أو هجوعا قليلا .
والثاني : هي نافية ؛ ذكره بعض النحويين ، ورد ذلك عليه ؛ لأن النفي لا يتقدم عليه ما في حيزه ، و " قليلا " من حيزه .
والثاني : أن ( قليلا ) : خبر كان و ( ما ) مصدرية ؛ أي كانوا قليلا هجوعهم ؛ كما تقول : كانوا يقل هجوعهم .
ويجوز على هذا أن يكون " ما يهجعون " بدلا من اسم كان بدل الاشتمال .
[ ص: 419 ] و ( من الليل ) لا يجوز أن يتعلق بـ " يهجعون " على هذا القول ؛ لما فيه من تقديم معمول المصدر عليه ؛ وإنما هو منصوب على التبيين ؛ أي يتعلق بفعل محذوف يفسره يهجعون . وقال بعضهم : تم الكلام على قوله " قليلا " ثم استأنف ؛ فقال : من الليل ما يهجعون . وفيه بعد ؛ لأنك إن جعلت " ما " نافية فسد لما ذكرنا ، وإن جعلتها مصدرية لم يكن فيه مدح ؛ لأن كل الناس يهجعون في الليل . ( وبالأسحار ) : الباء بمعنى في .
قال تعالى : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ( 21 ) ) .
قوله تعالى : ( وفي أنفسكم ) : المبتدأ محذوف ؛ أي وفي أنفسكم آيات ، ومن رفع بالظرف جعل ضمير الآيات في الظرف .
وقيل : يتعلق بـ " تبصرون " وهذا ضعيف ؛ لأن الاستفهام والفاء يمنعان من ذلك .
قال تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ( 22 ) ) .
قوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم ) : أي سبب رزقكم ، يعني المطر .
قال تعالى : ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ( 23 ) ) .
قوله تعالى : ( مثل ما ) : يقرأ بالرفع على أنه نعت لـ " حق " أو خبر ثان ، أو على أنهما خبر واحد ؛ مثل حلو حامض . و " ما " زائدة على الأوجه الثلاثة .
ويقرأ بالفتح وفيه وجهان ؛ أحدهما : هو معرب ، ثم في نصبه على هذا أوجه ؛ إما هو حال من النكرة ، أو من الضمير فيها ، أو على إضمار أعني ، أو على أنه مرفوع الموضع ؛ ولكنه فتح كما فتح الظرف في قوله : ( لقد تقطع بينكم ) [ الأنعام : 94 ] على قول الأخفش و " ما " على هذه الأوجه زائدة أيضا . والوجه الثاني : هو مبني ، وفي كيفية بنائه وجهان :
أحدهما : أنه ركب مع " ما " كخمسة عشر ، و " ما " على هذا يجوز أن تكون زائدة ، وأن تكون نكرة موصوفة . والثاني : أن تكون بنيت لأنها أضيفت إلى مبهم ، وفيها إبهام ، وقد ذكر مثله في قوله تعالى : ( ومن خزي يومئذ ) [ هود : 66 ] فتكون " ما " على هذا أيضا إما زائدة ، وإما بمعنى شيء . وأما " أنكم " فيجوز أن يكون موضعها جرا بالإضافة إذا جعلت " ما " زائدة ، وأن تكون بدلا منها إذا كانت بمعنى شيء ؛ ويجوز أن تكون في موضع نصب بإضمار أعني ، أو رفع على تقدير : هو أنكم .
[ ص: 420 ] قال تعالى : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ( 24 ) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ( 25 ) ) .
قوله تعالى : ( إذ دخلوا ) : " إذ " ظرف لحديث ، أو لضيف ، أو لمكرمين ؛ لا لأتاك . وقد ذكر القول في " سلاما " في هود .
قال تعالى : ( وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها ( 30 ) ) .
قوله تعالى : ( في صرة ) : هو حال من الفاعل .
و ( كذلك ) في موضع نصب بـ " قال " الثانية .
قال تعالى : ( لنرسل عليهم حجارة من طين ( 33 ) مسومة عند ربك للمسرفين ( 34 ) ) .
قوله تعالى : ( مسومة ) : هو نعت لحجارة أو حال من الضمير في الجار .
و ( عند ) : ظرف لمسومة .
قال تعالى : ( وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ( 38 ) فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ( 39 ) ) .
قوله تعالى : ( وفي موسى ) أي وتركنا في موسى آية .
و ( إذ ) : ظرف لآية ، أو لتركنا ، أو نعت لها . و ( بسلطان ) : حال من موسى ، أو من ضميره .
و ( بركنه ) : حال من ضمير فرعون .
قال تعالى : ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ( 41 ) ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ( 42 ) وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ( 43 ) ) .
( وفي عاد ) ؛ ( وفي ثمود ) أي وتركنا آية .
قال تعالى : ( وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين ( 46 ) والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ( 47 ) والأرض فرشناها فنعم الماهدون ( 48 ) ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ( 49 ) ) .
قوله تعالى : ( وقوم نوح ) : يقرأ بالجر عطفا على ثمود .
[ ص: 421 ] وبالنصب على تقدير : وأهلكنا ؛ ودل عليه ما تقدم من إهلاك الأمم المذكورين ؛ ويجوز أن يعطف على موضع " وفي موسى " .
وبالرفع على الابتداء ، والخبر ما بعده ، أو على تقدير : أهلكوا .
( والسماء ) : منصوبة بفعل محذوف ؛ أي ورفعنا السماء ، وهو أقوى من الرفع ؛ لأنه معطوف على ما عمل فيه الفعل . " والأرض " مثله .
و ( بأيد ) : حال من الفعل . و ( نعم الماهدون ) أي نحن ، فحذف المخصوص بالمدح .
( ومن كل شيء ) : متعلق بـ " خلقنا " . ويجوز أن يكون نعتا لـ " زوجين " قدم فصار حالا .
قال تعالى : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ( 52 ) ) .
قوله تعالى : ( كذلك ) : أي الأمر كذلك .
قال تعالى : ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( 58 ) ) .
قوله تعالى : ( المتين ) : بالرفع على النعت لله سبحانه .
وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو المتين ، وهو هنا كناية عن معنى القوة ؛ إذ معناه البطش ، وهذا في معنى القراءة بالجر . والله أعلم .