سورة القيامة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( لا أقسم بيوم القيامة ( 1 ) ) .
في ( لا ) وجهان : أحدهما : هي زائدة ، كما زيدت في قوله تعالى : ( لئلا يعلم ) [ سورة الحديد : 29 ] .
والثاني : ليست زائدة ، وفي المعنى وجهان :
[ ص: 477 ] أحدهما : هي نفي للقسم بها كما نفي القسم بالنفس .
والثاني : أن " لا " رد لكلام مقدر ؛ لأنهم قالوا : أنت مفتر على الله في قولك : نبعث ؛ فقال لا ، ثم ابتدأ ؛ فقال : أقسم ، وهذا كثير في الشعر ، فإن واو العطف تأتي في مبادئ القصائد كثيرا ، يقدر هناك كلام يعطف عليه . وقرئ : " لأقسم " . وفي الكلام وجهان : أحدهما : هي لام التوكيد دخلت على الفعل المضارع ؛ كقوله تعالى : ( وإن ربك ليحكم بينهم ) [ سورة النحل : 124 ] ، وليست لام القسم .
والثاني : هي لام القسم ، ولم تصحبها النون اعتمادا على المعنى ؛ ولأن خبر الله صدق ؛ فجاز أن يأتي من غير توكيد .
وقيل : شبهت الجملة الفعلية بالجملة الاسمية ؛ كقوله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم . . . ) [ سورة الحجر : 72 ] .
قال تعالى : ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( 4 ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ( 5 ) يسأل أيان يوم القيامة ( 6 ) ) .
قوله تعالى : ( قادرين ) أي بلى نجمعها ؛ فقادرين حال من الفاعل .
و ( أمامه ) : ظرف ؛ أي ليكفر فيما يستقبل . و ( يسأل ) : تفسير ليفجر .
قال تعالى : ( إلى ربك يومئذ المستقر ( 12 ) ) .
قوله تعالى : ( إلى ربك ) : هو خبر " المستقر " . و " يومئذ " : منصوب بفعل دل عليه " المستقر " ولا يعمل فيه المستقر ؛ لأنه مصدر بمعنى الاستقرار ؛ والمعنى : إليه المرجع .
قال تعالى : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ( 14 ) ) .
قوله تعالى : ( بل الإنسان ) : هو مبتدأ ، و " بصيرة " : خبره ، و " على " يتعلق بالخبر .
وفي التأنيث وجهان ؛ أحدهما : هي داخلة للمبالغة ؛ أي بصير على نفسه .
والثاني : هو على المعنى ؛ أي هو حجة بصيرة على نفسه ؛ ونسب الإبصار إلى الحجة لما ذكر في بني إسرائيل .
[ ص: 478 ] وقيل : بصيرة هنا مصدر ، والتقدير : ذو بصيرة ؛ ولا يصح ذلك إلا على التبيين .
قال تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة ( 22 ) إلى ربها ناظرة ( 23 ) ) .
قوله تعالى : ( وجوه ) : هو مبتدأ ، و " ناضرة " : خبره ، وجاز الابتداء بالنكرة لحصول الفائدة . و ( يومئذ ) : ظرف للخبر .
ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ؛ أي ثم وجوه . و " ناضرة " : صفة .
وأما " إلى " فتتعلق بـ " ناظرة " الأخيرة .
وقال بعض غلاة المعتزلة : إلى هاهنا : اسم بمعنى النعمة ؛ أي منتظرة نعمة ربها ، والمراد أصحاب الوجوه .
قال تعالى : ( كلا إذا بلغت التراقي ( 16 ) وقيل من راق ( 17 ) ) .
قوله تعالى : ( إذا بلغت ) : العامل في " إذا " معنى : ( إلى ربك يومئذ المساق ) [ سورة القيامة : 30 ] أي إذا بلغت الحلقوم رفعت إلى الله تعالى .
و ( التراقي ) : جمع ترقوة ، وهي فعلوة ، وليست بتفعلة ؛ إذ ليس في الكلام ترق .
و ( من ) : مبتدأ ، و " راق " : خبره ؛ أي من يرقيها ليبرئها .
وقيل : من يرفعها إلى الله عز وجل ؛ أملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟
قال تعالى : ( فلا صدق ولا صلى ( 31 ) ولكن كذب وتولى ( 32 ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( 33 ) ) .
قوله تعالى : ( فلا صدق ) : " لا " بمعنى ما . و ( يتمطى ) : فيه وجهان :
أحدهما : الألف مبدلة من طاء ، والأصل يتمطط ؛ أي يتمدد في مشيه كبرا .
والثاني : هو بدل من واو ؛ والمعنى : يمد مطاه ؛ أي ظهره .
قال تعالى : ( أولى لك فأولى ( 34 ) ) .
قوله تعالى : ( أولى لك ) : وزن أولى فيه قولان :
أحدهما : فعلى ، والألف للإلحاق ، لا للتأنيث .
والثاني : هو أفعل ، وهو على القولين هنا علم ؛ فلذلك لم ينون ، ويدل عليه ما حكي عن أبي زيد في النوادر : هي أولاة بالتاء غير مصروف ، فعلى هذا يكون " أولى " مبتدأ ، و " لك " : الخبر .
[ ص: 479 ] والقول الثاني : أنه اسم للفعل مبني ، ومعناه وليك شر بعد شر ؛ و " لك " تبيين .
قال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( 36 ) ألم يك نطفة من مني يمنى ( 37 ) ثم كان علقة فخلق فسوى ( 38 ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( 39 ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( 40 ) ) .
و ( سدى ) : حال ، وألفه مبدلة من واو .
و ( يمنى ) - بالياء - على أن الضمير للمني ؛ فيكون في موضع جر . ويجوز أن يكون للنطفة ؛ لأن التأنيث غير حقيقي . والنطفة بمعنى الماء ، فيكون في موضع نصب ، كالقراءة بالتاء .
و ( الذكر والأنثى ) : بدل من الزوجين . و ( يحيي ) بالإظهار لا غير ؛ لأن الياء لو أدغمت للزم الجمع بين ساكنين لفظا وتقديرا . والله أعلم .