سورة النجم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( والنجم إذا هوى ( 1 ) ما ضل صاحبكم وما غوى ( 2 ) وما ينطق عن الهوى ( 3 ) ) .
قوله تعالى : ( إذا هوى ) : العامل في الظرف فعل القسم المحذوف ؛ أي أقسم بالنجم ، وجواب القسم " ما ضل " .
و ( عن ) : على بابها ؛ أي لا يصدر نطقه عن الهوى . وقيل : هو بمعنى الباء .
قال تعالى : ( إن هو إلا وحي يوحى ( 4 ) علمه شديد القوى ( 5 ) ) .
قوله تعالى : ( علمه ) : صفة للوحي ؛ أي علمه إياه .
قال تعالى : ( ذو مرة فاستوى ( 6 ) وهو بالأفق الأعلى ( 7 ) ثم دنا فتدلى ( 8 ) فكان قاب قوسين أو أدنى ( 9 ) ) .
قوله تعالى : ( فاستوى ) : أي فاستقر . " وهو " مبتدأ ، و " بالأفق " خبره ، والجملة حال من فاعل " استوى " .
وقيل : هو معطوف على فاعل " استوى " وهو ضعيف ؛ إذ لو كان كذلك لقال تعالى : فاستوى هو وهو ؛ وعلى هذا يكون المعنى فاستويا بالأفق ؛ يعني محمدا وجبريل صلوات الله عليهما . وألف " قاب " مبدلة من واو ، و " أو " على الإبهام ؛ أي لو رآه الرائي لالتبس عليه مقدار القرب .
قال تعالى : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ( 11 ) أفتمارونه على ما يرى ( 12 ) ولقد رآه نزلة أخرى ( 13 ) عند سدرة المنتهى ( 14 ) عندها جنة المأوى ( 15 ) ) .
قوله تعالى : ( ما كذب الفؤاد ) : يقرأ بالتخفيف ، و " ما " : مفعوله ؛ أي ما كذب الفؤاد الشيء الذي رأت العين ؛ أو ما رأى الفؤاد .
[ ص: 425 ] ويقرأ بالتشديد ، والمعنى قريب من الأول . و ( تمارونه ) : تجادلونه . و ( تمرونه ) : تجحدونه . و ( نزلة ) : مصدر ؛ أي مرة أخرى ؛ أو رؤية أخرى . ( عند ) : ظرف لرأى . و ( عندها ) : حال من السدرة .
ويقرأ : جنه على أنه فعل ؛ وهو شاذ ، والمستعمل أجنه .
قال تعالى : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ( 16 ) ما زاغ البصر وما طغى ( 17 ) لقد رأى من آيات ربه الكبرى ( 18 ) ) .
قوله تعالى : ( إذ ) : ظرف زمان لرأى .
و ( الكبرى ) : مفعول رأى .
وقيل : هو نعت لآيات ، والمفعول محذوف ؛ أي شيئا من آيات ربه .
قال تعالى : ( أفرأيتم اللات والعزى ( 19 ) ومناة الثالثة الأخرى ( 20 ) ) .
و ( اللات ) : تكتب بالتاء والهاء . وكذلك الوقف عليه ، والألف واللام فيه ، وفي " العزى " زائدة ؛ لأنهما علمان .
وقيل : هما صفتان غالبتان ، مثل الحارث والعباس ، فلا تكون زائدة .
وأصل اللات لوية ؛ لأنه من لوى يلوي ، فحذفت الياء ، وتحركت الواو وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا . وقيل : ليس بمشتق .
وقيل : مشتق من لات يليت ، فالتاء على هذا أصل .
وقرأ رضي الله عنهما بتشديد التاء ، قالوا : وهو رجل كان يلت للحاج السويق وغيره على حجر ، فلما مات عبد ذلك الحجر . والعزى : فعلى من العز . ابن عباس
( ومناة ) : علم لصنم ؛ وألفه من ياء ؛ لقولك : منى يمني ، إذا قدر ؛ ويجوز أن تكون من الواو ، ومنه منوان . و ( الأخرى ) : توكيد ؛ لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى .
قال تعالى : ( ألكم الذكر وله الأنثى ( 21 ) تلك إذا قسمة ضيزى ( 22 ) ) .
[ ص: 426 ] قوله تعالى : ( ضيزى ) : أصله ضوزى مثل : طوبى ، كسر أولها ، فانقلبت الواو ياء ، وليست فعلى في الأصل ؛ لأنه لم يأت من ذلك شيء إلا ما حكاه ثعلب من قولهم ؛ رجل كيصى ، وميتة حيكى . وحكى غيره : امرأة عزهى ، وامرأة سعلى ، والمعروف عزهاة وسعلاة ، ومنهم من همز " ضيزى " .
قال تعالى : ( ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ( 23 ) أم للإنسان ما تمنى ( 24 ) ) .
قوله تعالى : ( أسماء ) : يجب أن يكون المعنى ذوات أسماء ؛ لقوله تعالى : ( سميتموها ) لأن لفظ الاسم لا يسمى .
و ( أم ) : هنا منقطعة .
قال تعالى : ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا . . . ( 26 ) ) .
و ( شفاعتهم ) : جمع على معنى كم ، لا على اللفظ ؛ وهي هنا خبرية في موضع رفع بالابتداء ، و " لا تغني " الخبر .
قال تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا . . . ( 31 ) ) .
قوله تعالى : ( ليجزي ) : اللام تتعلق بما دل عليه الكلام ، وهو قوله تعالى : " أعلم بمن ضل " أي حفظ ذلك ليجزي .
وقيل : يتعلق بمعنى قوله تعالى : " ولله ما في السماوات " أي أعلمكم بملكه وقوته . . . .
قال تعالى : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ( 32 ) ) .
قوله تعالى : ( الذين يجتنبون ) : هو في موضع نصب نعتا للذين أحسنوا ، أو في موضع رفع على تقدير : " هم " .
و ( إلا اللمم ) : استثناء منقطع ؛ لأن اللمم : الذنب الصغير .
[ ص: 427 ] قال تعالى : ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أعنده علم الغيب فهو يرى ( 37 ) ) .
قوله تعالى : ( فهو يرى ) : جملة اسمية واقعة موقع فعلية ؛ والأصل عنده علم الغيب فيرى ، ولو جاء على ذلك لكان نصبا على جواب الاستفهام .
( وإبراهيم ) عطف على موسى .
قال تعالى : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ( 38 ) ) .
قوله تعالى : ( أن لا تزر ) : " أن " مخففة من الثقيلة ، وموضع الكلام جر بدل من " ما " أو رفع على تقدير : هو أن لا .
و ( وزر ) مفعول به ؛ وليس بمصدر .
قال تعالى : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) ) .
قوله تعالى : ( وأن ليس ) : " أن " مخففة من الثقيلة أيضا ، وسد ما في معنى ليس من النفي مسد التعويض .
قال تعالى : ( وأن سعيه سوف يرى ( 40 ) ) قوله تعالى : ( سوف يرى ) : الجمهور على ضم الياء ، وهو الوجه ؛ لأنه خبر " أن " وفيه ضمير يعود على اسمها .
وقرئ بفتح الياء ؛ وهو ضعيف ؛ لأنه ليس فيه ضمير يعود على اسم " أن " وهو السعي ؛ والضمير الذي فيه للهاء ، فيبقى الاسم بغير خبر ، وهو كقولك : إن غلام زيد قام - وأنت تعني قام زيد ، فلا خبر لغلام ، وقد وجه على أن التقدير : سوف يراه ، فتعود الهاء على السعي ، وفيه بعد .
قال تعالى : ( ثم يجزاه الجزاء الأوفى ( 41 ) ) .
قوله تعالى : ( الجزاء الأوفى ) : هو مفعول يجزى ؛ وليس بمصدر ؛ لأنه وصف بالأوفى ، وذلك من صفة المجزي به ، لا من صفة الفعل .
قال تعالى : ( وأنه هو أغنى وأقنى ( 48 ) ) .
ألف " أقنى " منقلبة عن واو .
قال تعالى : ( وأنه أهلك عادا الأولى ( 50 ) ) .
قوله تعالى : ( عادا الأولى ) : يقرأ بالتنوين ؛ لأن عادا اسم الرجل ، أو الحي . والهمز بعد محقق . ويقرأ بغير تنوين على أنه اسم القبيلة .
[ ص: 428 ] ويقرأ منونا مدغما ؛ وفيه تقديران : أحدهما : أنه ألقى حركة الهمزة على اللام ، وحذف همزة الوصل قبل اللام ، فلقي التنوين اللام المتحركة ، فأدغم فيها ؛ كما قالوا : لحمر .
قال تعالى : ( وثمود فما أبقى ( 51 ) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ( 52 ) والمؤتفكة أهوى ( 53 ) فغشاها ما غشى ( 54 ) ) .
قوله تعالى : ( وثمود ) : هو منصوب بفعل محذوف ؛ أي وأهلك ثمود ، ولا يعمل فيه " ما أبقى " من أجل حرف النفي ؛ وكذلك " قوم نوح " ويجوز أن يعطف على " عادا " ( والمؤتفكة ) : منصوب بـ " أهوى " .
و ( ما غشى ) : مفعول ثان .
قال تعالى : ( ليس لها من دون الله كاشفة ( 58 ) ) . ( كاشفة ) : مصدر مثل العاقبة والعافية ؛ أي ليس لها من دون الله كشف . ويجوز أن يكون التقدير : ليس لها كاشف ، والهاء للمبالغة مثل راوية وعلامة . والله أعلم .