النوع الثامن : اللعب بالنرد ، ونحوه
ففي " الجواهر " : حرام ، وقاله الأئمة لقوله عليه السلام : " اللعب بالنرد ، من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ، وما يضاهيها كالأربعة عشر ، ونحوها ، فالنص على كراهتها ، واختلف في حمله على التحريم ، وهو قول ( ح ) ، والشطرنج وأحمد ، أو إجزائه على ظاهره ، وهو قول ( ش ) ، قال مالك : وهي ألهى من النرد ، وأشر ; لأن النرد نصفه اتفاق ، وهو إلقاء الفصوص ، ونصفه فكر ، وهو نقل الأشخاص في البيوت ; والشطرنج فكر كله ، فكان ألهى ، وقيل : الإدمان عليه حرام ، وقيل : إن لعبت على وجه يقدح في المروءة كلعبها على الطريق مع الأوباش حرمت لمنافاة المروءة ، أو في الخلوة مع الأمثال من غير إدمان ، ولا في حال يلهي على العبادات ، والمهمات الدينية أبيحت ; لأن جماعة من السلف كانوا يلعبونها .
وفي " المقدمات " أما مع القمار فحرام اتفاقا ; لأنه من الميسر ، قال : والشطرنج مثل النرد ; لأنها تلهي ، وإدمانها يقدح في الشهادة ، والعدالة ; لأنه يؤدي إلى القمار والأيمان الكاذبة ، والاشتغال عن العبادة ، وفي " الموطأ " قال عليه السلام : " " ، قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله الباجي : وما روي عن ، عبد الله بن مغفل ، والشعبي وعكرمة أنهم كانوا يلعبون بالنرد ، والشطرنج غير ثابت ، ولو ثبت حمل على أنه لم يبلغهم النهي ، وأغفلوا النظر ، وأخطئوا ، وروى ، سعيد بن المسيب إجازة النرد ، وهو كما تقدم ، وكره وابن شهاب مالك الجلوس مع اللاعب ; لأن الجلوس يذكر المشاركة ، وفي " القبس " : الشطرنج أخو النرد وما مسته يد تقي قط ، وسمعت بالمسجد الأقصى الإمام أبا الفضل المقدسي يقول : إنما يتعلم [ ص: 284 ] للحرب ، قال له : بل تفسد الحرب ; لأن الحرب مقصوده أخذ الملك واغتياله ، وفي الشطرنج يقول له : شاه ، أتاك الملك ، نحه عن طريقي ، فضحك الحاضرون ، وتحريمها هو الأصح من قولي الطرطوشي مالك .
قال صاحب " البيان " : لم ير مالك ترك إلا أن يمر بهم يلعبون فيجب الإعراض عنهم ، وترك السلام أدبا لهم ، قال السلام على لاعب الكعاب ، والشطرنج ، والنرد : ( إن لم يعقل للنرد معنى فهو مساو للشطرنج ، وإن عقل فجميع ما يتخيل فيه من اللهو وغيره ) فهو أعظم في الشطرنج ، وقال الطرطوشي : الشطرنج يقوي الفكر ، ويجبر الخاطر ، ويتعلم به القتال ، والكر ، والفر ، والهرب ، والطلب ، فهو يقوي الرأي ، والعقل بخلاف النرد ، وجوابه أنه ليس من قبيل العلوم التي محلها القلب ، بل من الصنائع التي محلها الجوارح كالكتابة ، والنجارة ، ولذلك أعلم الناس به تجدهم بلداء كما تجد البليد قد يكتب حسنا ، وينجر حسنا ، وأما احتياجه لمزيد الفكر فهو يقربه من اللهو أكثر من النرد ، وإنما يكون إتعاب النفس أفضل في الأمور المطلوبة للشرع ، ويدل على ذلك أنكم تكرهونه ، فلا يكون مطلوبا ، والمخاطرة عليه حرام ، مع أن الفكر حينئذ أشد ، فكان ينبغي أن يكون أقرب للإباحة ، ألا ترى أن أبو إسحاق الشيرازي لما كانت مطلوبة كان بذل المال فيها جائزا ، فهي بعيدة من مكايد الحروب ; لأن الحروب مبنية على اقتناص الملوك والوزراء ، وأن الفارس يكر ويفر ويقبل كيف أراد ، ويقتل القريب ، والبعيد ، والمقاتل ، وغيره ، والشطرنج يؤمر فيه بتهريب السلطان بقولهم : شاه ، حتى لا يقتل ، والفارس لا يقتل من يليه ، ولا من يقابله ، وإنما يأخذ على موازيه ، وكل قطعة منه لا تشبه صاحبتها في الكر ، والفر ، فلو ذهب متعلم الشطرنج دهرا إلى الحرب ، وقال ، وفعل ذلك ، وقال : هذا تعلمته من الشطرنج أفسد الحرب وضحك منه ، ولا يحصل الشطرنج إلا بمخالطة الأرذال ، وإغفال الصلوات ، وضياع الأموال . المسابقة على الخيل
[ ص: 285 ] قال مالك : أول ما وضع الشطرنج لامرأة ملكة قتل ابنها في الحرب ، فخافوا إخبارها بذلك ، فوضعوه ، ولعبوا به عندها حتى يقولوا : شاه مات ، أي الرئيس مات ; لأن شاه بالفارسية الرئيس ، فاستدلت بذلك على قتله .
( وما يروونه من أن ، أبا هريرة ، وسعيد بن المسيب كانوا يلعبونها وأن وزين العابدين كان يلعبها غايبا ) فأحاديث لا أصل لها من أحاديث سعيد بن جبير الكوفة ، وكان مالك يسميها دار الضرب ، وكيف ، وغيره من وسعيد بن المسيب أهل المدينة مقيمون بها ولم ينقل أهل المدينة عنهم ذلك ، فيقطع ببطلان ما قاله الكوفيون ، وهي لهو ولعب ، وقد ذم الله تعالى اللهو واللعب ، وحديث النرد متفق على صحته فيعتمد على الصحيح ، ويترك غيره ، والله أعلم .