الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وذهب بعض أهل ناحيتنا إلى أن في المعادن الزكاة ، وغيرهم ذهب إلى أن المعادن ركاز ففيها الخمس " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف الناس فيما يجب في المعادن على ثلاثة مذاهب حكاها أصحابنا أقاويل للشافعي :

                                                                                                                                            أحدها : فيها ربع العشر كالزكاة ، وهو مذهب مالك وأحمد ، وإسحاق ، وبه قال من التابعين الحسن البصري ، وعمر بن عبد العزيز ، ونص عليه الشافعي في القديم ، " والإملاء " وفي كتاب " الأم " .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : أن فيها الخمس كالركاز ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحد أقاويل الشافعي .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أنه إن أخذ بمؤنة وتعب ففيه ربع العشر ، وإن وجد ندرة مجتمعة أو وجد في أثر سيل في بطحاء بلا مؤنة ففيه الخمس ، وهو مذهب الأوزاعي ، وحكاه الشافعي عن مالك ، وأومأ إليه في كتاب " الأم " فمن أوجب فيه الخمس استدل برواية أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في الركاز الخمس فقيل يا رسول الله وما الركاز ؟ فقال الذهب والفضة اللذان جعلهما الله تعالى في الأرض يوم خلق السماوات والأرض ، فدل على أن المعادن ركاز وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل وجد كنزا في قرية خربة . فقال : إن وجده في قرية مسكونة أو في سبيل ميتاء فعرفه ، [ ص: 336 ] وإن وجده في خربة جاهلية ، أو في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس " ولأنه مستفاد من الأرض من غير إيداع أصل ، فوجب أن يكون حق الله تعالى فيه الخمس كالركاز ، واستدل من أوجب فيه ربع العشر بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الرقة ربع العشر ، وروى الشافعي عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم وهذا مرسل ووجه الدلالة منه ضعيف ، فلذلك لم يعتمد عليه الشافعي لكن قد روى غير الشافعي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكاة المعادن القبلية وهذا نص مستند ، وروى جويبر عن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس وفي المعدن الصدقة ، ولأنه مستفاد من الأرض لم يملك غيره فوجب أن لا يجب فيه الخمس كالحبوب ، واستدل من اعتبر كثرة المؤنة وقلتها بالزرع والثمرة : لأن حق الله تعالى فيها يقل بكثرة المؤنة ، إذا سقى بغرب أو نضح فيجب فيه نصف العشر ، ويكثر بقلة المؤنة ، إذا سقى بماء سماء أو سيح فيجب فيه العشر ، فكذلك المعادن إن قلنا المؤنة في المأخوذ منها ، وجب فيها الخمس كالركاز وإن كانت المؤنة في المأخوذ منها وجب فيه ربع العشر كالناض ، فهذا توجيه الأقاويل الثلاثة .

                                                                                                                                            [ ص: 337 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية