الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو أكمل اللعان وامتنعت من اللعان وهي مريضة أو في برد أو حر وكانت ثيبا رجمت ، وإن كانت بكرا لم تحد حتى تصح وينقضي الحر والبرد لقول الله تعالى : ويدرأ عنها العذاب الآية والعذاب : الحد فلا يدرأ عنها إلا باللعان " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن لعان الزوج مسقط لحد القذف عنه ، ولعان الزوجة بعده مسقط لحد الزنا عنها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا حد على واحد منهما وعليهما اللعان ، فأيهما امتنع منه حبس حتى يلعن .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف : يحد الزوج ولا يحبس ، ولا تحد الزوجة وتحبس حتى تلاعن ، وقد مضى الكلام فيه بما أقنع ، فإذا امتنعت الزوجة من اللعان وجب حد الزنا عليها ، وكان معتبرا بحالها ، فإن كانت بكرا فعليها جلد مائة وتغريب عام ، وإن كانت ثيبا فالرجم .

                                                                                                                                            فإن كانت صحيحة والزمان معتدلا أقيم عليها كل واحد من الحدين إذا كانت من أهله سواء كان جلدا أو رجما ، وإن كان الزمان خارجا عن الاعتدال بشدة حر أو شدة برد أخر جلدها إلى زمان الاعتدال ؛ لئلا يفضي بحده الزمان إلى تلفها ، ولا يؤخر رجمها لأن المقصود بالرجم تلفها ، وإن كانت مريضة فإن كان حدها الرجم رجمت في المرض ، وإن كان حدها الجلد روعي مرضها ، فإن كان مرجو الزوال أنظرت إلى وقت الصحة ثم جلدت ، وإن لم يرج زواله جلدت بما يؤمن به تلفها من أثكال النخل وأطراف النعال ، وخالف الرجم المقصود به التلف .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابنا : يؤخر رجمها في المرض إذا وجب الحد عليها بإقرار ولعان حتى تبرأ ، ولا يؤخر إذا وجب ببينة لأن الحد لا يسقط بعد قيام البينة ويسقط إذا وجب باللعان بالإجابة إليه .

                                                                                                                                            وقال آخرون منهم بالإقرار بعكس هذا أنه يؤخر إذا وجب بالبينة لجواز رجوعها ، ولا يؤخر إذا وجب بالإقرار واللعان ؛ لأنه قد أسقط بذلك حرمة نفسه ، وكلا المذهبين فاسد ؛ لأن حرمة النفس تسقط بالبينة كسقوطها بالإقرار . ويمكن رجوع البينة كما يمكن الرجوع في إقرار ، فلم يكن للفرق بينهما وجه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية