الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا تخرج إلى الحج بعد انقضاء العدة ولا إلى مسيرة يوم إلا مع ذي محرم إلا أن يكون حجة الإسلام ويكون مع نساء ثقات " . قال الماوردي : اعلم أن اجتماع العدة والإحرام ينقسم أربعة أقسام : أحدها : أن يتقدم وجوب العدة بموت أو طلاق ثم تحرم بالحج قبل انقضاء العدة فعليها أن تقيم لاستكمال العدة ، ولا يجوز أن تحج في تضاعيفها وإن خافت الفوات لتقدم وجوب العدة على الإحرام ، فإن انقضت عدتها ووقت الحج ممكن خرجت لأدائه ، وإن فاتها الحج جرى عليها حكم فواته ، وهذا متفق عليه . والقسم الثاني : أن يتقدم إحرامها بالحج عن إذنه ، ثم تجب العدة عليها بطلاقه أو موته قبل أدائه ففرض الحج مقدم على العدة ، فإن كان الوقت مضيقا خرجت للحج ، وإن كان متسعا كانت مخيرة بين تقديم العدة على الخروج إلى الحج ، وبين تقديم الخروج للحج على المقام للعدة . وقال أبو حنيفة : مقدمة على الخروج للحج فيلزمها المقام للعدة ، وإن فاتها الحج : لأن فوات الحج يقضى وفوات العدة لا يقضى ، ولأن العدة من الحقوق المشتركة فكانت أوكد من الحقوق المفردة . ودليلنا قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] وحقيقة الإتمام [ ص: 265 ] إكمال ما دخل فيه ؛ ولأنهما عبادتان متقابلتان فوجب أن يترجح حكم أسبقهما ، ألا ترى أنه لو تقدمت العدة على الإحرام غلب حكم العدة ، كذلك إذا تقدم الإحرام على العدة ، وجب أن يغلب حكم الإحرام ، ولأن الإحرام أغلظ أحكاما من العدة فلم يجز أن يضعف عنها عند المزاحمة . واستدلاله بأن فوات الحج يقضى فهو دليل على قوته ، وتغليظ حكمه فلم يجز أن يجعل عند المزاحمة على ضعفه واستدلاله بأن العدة حق مشترك فهو دليل على الضعف دون القوة : لأن حقوق الله تعالى المحضة أوكد . والقسم الثالث : أن يتقدم الإحرام بالحج على العدة ، ثم تطرأ العدة بموت أو طلاق بعد إتمام الحج فيكون حكمها في العدة من سافرت عن إذنه ثم وجبت العدة عليها بعد السفر بموته ، أو طلاقه ، وذلك بأن تعود إلى بلدها فتقضي فيه عدتها على ما قدمناه . والقسم الرابع : أن تتقدم العدة على الإحرام ، ثم تستأنف الإحرام بعد كمال العدة فهي مسألة الكتاب وليست من العدد ، وإنما ذكرها تبعا ، وإذا كان كذلك ما اعترض عليها في حق الزوج بعد كمال العدة ، والكلام في حجها هل يفتقر إلى ذي محرم أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : لا يجوز أن تحرم للحج إلا مع ذي محرم سواء كان فرضا أو تطوعا تمسكا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم . وقال الشافعي : إن كان الحج فرضا لم يكن المحرم فيه شرطا إذا كان الطريق آمنا ، وإذا كان تطوعا لم تخرج إلا مع ذي محرم لافتراقهما في الغرض ، وإن وجوب الحج معتبر بالزاد والراحلة ، ولو كان المحرم شرطا لكان من شروط الاستطاعة المعتبرة في الوجوب ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعدي بن حاتم : يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تأم البيت لا جوار معها لا تخاف إلا الله فلولا جوازه لما أقر عليه ؛ ولأن وجوب السفر يسقط اشتراط المحرم فيه كالهجرة من دار الشرك ، وقد مضت هذه المسألة في كتاب الحج مستوفاة وتأولنا الخبر على التطوع دون الفرض ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تصومن امرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه فحمل على صوم التطوع دون الفرض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية