الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو صارت إلى بلد أو منزل بإذنه ولم يقل لها : أقيمي ثم طلقها ، فقال : لم أنقلك ، وقالت : نقلتني فالقول قولها إلا أن تقر هي أنه كان للزيارة أو مدة [ ص: 266 ] تقيمها فيكون عليها أن ترجع وتعتد في بيته وفي مقامها قولان أحدهما أن تقيم إلى المدة كما جعل لها أن تقيم في سفرها إلى غاية " . قال الماوردي : هذه مسألة تشتمل على فصول قد اختلط فيها كلام أصحابنا ، ونسبوا المزني إلى السهو في نقله والخطأ في جوابه لشبهة دخلت عليهم في تفريق أصولها ، وسنوضحها بما تزول به الشبهة ويصح فيها نقل المزني وجوابه ، وذلك مبني على تقدير الجواب في خمسة فصول قد ذكرناها مع الاتفاق عليها ، ونحن نعيدها لنبني حكم اختلافهم عليها : أحدها : أنه إذا أذن لها في سفرالنقلة فانتقلت ، ثم وجبت عليها العدة بموت أو طلاق قضت العدة في بلد النقلة ، ولم يلزمها العود . والثاني : أنه إن أذن لها في سفر العودة ، ثم وجبت العدة بعد وصولها لزمها العود ، ولم يجز أن تقيم . والثالث : أنه إذا أذن لها في السفر إليه إذنا مطلقا لم يصرح فيه بنقلة ولا عود حمل على سفر النقلة دون العود : لأن العود سفر آخر يحتاج فيه إلى إذن آخر . والرابع : أنه إذا أذن لها في السفر إليه لنزهة أو زيارة كان سفر عود ، ولم يكن سفر مقام . والخامس : أنه إذا أذن لها في السفر إليه لتقيم شهرا ، ثم تعود ، فهل لها بعد وجوب العدة أن تقيم تلك المدة أم لا ؟ على قولين مضيا ، فهذه خمسة فصول لا اختلاف بين أصحابنا في جوابها مع اتفاق الزوجين عليها ، فإن اختلفا فيها اشتمل اختلافهما على ستة أقسام : أحدها : أن تدعي الزوجة سفر النقلة ، ويدعي الزوج سفر العود ، فالقول قولها مع الزوج في حياته ، ومع الورثة بعد موته : لأن سفر النقلة واحد ، وسفر العود اثنان ، فكان القول في الثاني قول منكر . والقسم الثاني : أن تدعي الزوجة سفر العود ويدعي عليها سفر النقلة ، فالقول قول من خالفها من الزوج في حياته ، والورثة بعد موته : لأنها تدعي فيه سفرا ثانيا فكان القول فيه قول منكره . والقسم الرابع : أن تدعي في السفر المطلق أن المراد به النقلة ، ويدعي عليها أن المراد به النقلة ، فقولها غير مقبول ، والقول قول الزوج في حياته وورثته بعد موته : لأن الظاهر معهم دونها ، فهذه الأقسام الأربعة تستوي حكم الاختلاف فيها مع الزوج والورثة ، والقسم الخامس : أن تدعي الزوجة سفرا لمدة ، ويدعي عليها أنه سفر للنزهة فإن [ ص: 267 ] قيل : إنها ممنوعة من مقام تلك المدة لم يكن لهذا الاختلاف تأثير لوجوب العود فيهما للوقت ، وإن قيل : بمقامها تلك المدة ، فإن كان اختلافها مع الورثة فالقول قولها وإن كان مع الزوج فالقول قوله . والفرق بينهما مع تساوي الظاهر في اختلافهما مباينة لما تقدم من الأقسام الأربعة ؛ لأن الإذن اجتمع عليه الزوجان فإذا كان الاختلاف بينهما رجع إلى الزوج الإذن في صفة إذنه ما يرجع إليه في أصل إذنه ، وإذا كان مع الورثة رجع فيه إلى من سومه بالإذن ، وهي الزوجة دون الورثة . والقسم السادس : أن تدعي الزوجة سفر النزهة ويدعي عليها أنه سفر المدة . فإن قيل لا تقيم تلك المدة فلا تأثير لاختلافهما لوجوب العود فيهما . وإن قيل بمقامها تلك المدة فالقول قول الزوجة إن كان حيا والقول قولها مع الورثة إن كان ميتا لما ذكرنا من الفرق بينهما فهذان قسمان يختلف فيهما حكم الزوج والورثة وإن اتفق حكمهما في تلك الأقسام الأربعة ، وقد أوضحت من التعليل الموجب للفرق والتسوية ما يمنع من مخالفته ليسلم المزني من خطأ في النقل لحمل مراده على ما وافقه من تلك الأقسام الأربعة في التسوية بين الزوج وورثته ويسلم أصحابنا من الوهم في الشبهة الداخلة عليهم في تخطئته لحمل جوابه على ما وافقه من القسمين المتأخرين في الفرق بين الزوج وورثته ، وقد يتفرع على الأقسام الستة أقسام لا تخرج عن أحكام الأقسام الستة إذا حقق تعليلها فاستغني بالمذكور عن المغفل ، والله ولي التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية