الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو تزوجت نصرانية نصرانيا فأصابها أحلها لزوجها المسلم ويحصنها ؛ لأنه زوج ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا ، ولا يرجم إلا محصنا " . قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على خمسة فصول : قد تقدم الكلام في كل فصل منها : أحدها : أن مناكح المشركين صحيحة وأبطلها مالك . والدليل عليه قوله تعالى : وامرأته حمالة الحطب [ المسد : 4 ] فجعلها زوجة بنكاح الشرك ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ولدت من نكاح لا من سفاح ولأنه لما جاز إقرارهم عليها بعد إسلامهم جاز ودل على صحتها في شركهم . [ ص: 286 ] والفصل الثاني : وقوع الطلاق في مناكحهم حتى إن طلقها في الشرك ثلاثا ثم أسلما لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره . وقال مالك : لا يقع بينهم طلاق بناء على مذهبه في فساد مناكحهم . ودليلنا قول الله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] فكان على عمومه . والفصل الثالث : ثبوت إحصانهم بالإصابة في مناكحهم . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا إحصان لهم ، ودليلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رجم يهوديين زنيا " ولا يرجم إلا محصنا ؛ ولأنها إصابة في نكاح يقر عليها أهله فوجب أن يثبت بها الحصانة كالمسلمة . والفصل الرابع : أن المسلم إذا طلق الذمية ثلاثا ، ونكحت بعده ذميا أحلها للمسلم بعد طلاقه لها . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يحلها ودليلنا قول الله تعالى : حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] فكان على عمومه : ولأنه نكاح يقر عليه الزوج فجاز أن يستباح بالإصابة فيه نكاح الأول كالمسلم . والفصل الخامس : وجوب العدة على الذمية من المسلم والكافر . وقال أبو حنيفة ، ومالك : عليها العدة من المسلم وليس عليها العدة من الكافر . ودليلنا : قول الله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي هوازن : ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض وقد كن ذوات أزواج في الشرك ؛ ولأن عليها أن تحفظ أنساب المشركين كما تحفظ أنساب المسلمين لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ البقرة : 149 ] ولتمييز أنساب المسلمين من أنساب المشركين لاختلافهما في الأحكام فاستويا في العدة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية