الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني ، وهو أن يكونا جاهلين بالتحريم : إما لجهلهما ببقاء العدة ، وإما لجهلهما بالتحريم مع علمهما ببقاء العدة فهما سواء ولا حد عليهما ، لأن في الجهل بالتحريم شبهة تدرؤها الحدود ويتعلق بهذا الواطئ أحكامه في النكاح فيستحق فيه المهر ويلحق به النسب وتجب به العدة وتقطع به عدة الأول ما لم يفرق بينها وبين الثاني ، لأنها قد صارت بوطء الشبهة فراشا له ولا يجوز أن تكون فراشا له ومعتدة من غيره ، لأن العدة تنافي الفراش ، فإذا فرق بينهما صارت بالتفرقة داخلة في عدة الأول لارتفاع الفراش بها فيبني على ما مضى منها ، ثم تعتد من إصابة الثاني ويجوز إذا كملت عدة الأول أن يتزوجها الثاني ، وإن كانت في عدته ولا تحرم عليه ، وحكي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنها قد حرمت على الثاني أبدا إذا كان جاهلا بالتحريم ، ولا تحرم عليه مع العلم بالتحريم ، وهو مذهب مالك ، وذكره الشافعي في القديم فاختلف أصحابنا هل قاله حكاية عن مالك ، أو مذهبا لنفسه . فقال البصريون حكاه عن غيره . [ ص: 288 ] وقال البغداديون : قاله مذهبا لنفسه ومن قال بهذا اختلفوا ، هل يكون تفريق الحاكم بينهما شرطا في هذا التحريم المؤبد على وجهين : أحدهما : لا يكون شرطا ، وقد حرمت أبدا سواء افترقا بأنفسهما أو فرق الحاكم بينهما ؛ لأن أسباب التحريم لا تقف على الحكم كالنسب والرضاع . والوجه الثاني : أن الحكم شرط في تأبيد هذا الحكم كاللعان ، واحتج من ذهب إلى هذا القول بأمرين : هما دليل ، وفرق بين العالم والجاهل : أحدهما : أن العالم بالتحريم مزجور فاستغنى عن الزجر بتأبيد تحريمها عليه والجاهل به غير مزجور بالحد فزجر بتأبيد التحريم . والثاني : أن الجاهل بالتحريم مفسد للنسب لاشتراكهما فيه فزجر على إفساده بتأبيد التحريم ، والعالم به غير مفسد للنسب ؛ لأنه غير مشارك فيه فلم يزجر بتحريمها عليه لعدم إفساده ، فهذا دليل ما قاله عمر ، ومذهب من تابعه عليه . وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : لا يحرم عليه مع الجهل والعلم جميعا ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وبه قال الشافعي في الجديد ، وهو القياس الصحيح من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مع العلم أغلظ مأثما ، ثم لا يحرم عليه فكانت مع ارتفاع المأثم بالجهل أولى أن لا يحرم . والثاني : أن الوطء لا يقتضي تحريم الموطوءة على الواطئ ، وإنما يقتضي تحريم غيرها على الواطئ وتحريمها على غير الواطئ . والثالث : أن حلال الوطء وحرامه من نكاح وزنا لا يوجب تأبيد تحريم الموطوءة على الواطئ ، وهذا الوطء ملحق بأحدهما وليس للفرقين المتقدمين وجه : لأن الزجر لا يكون بالتحريم فبطل به الفرق الأول ، والجاهل غير مفسد للنسب ؛ لأنه يستضيف ولده إلى نفسه ، والعالم هو المفسد ؛ لأنه قد أضاف ولده إلى غيره فبطل به الفرق الثاني .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية