[ ص: 3 ] كتاب الطلاق
فيه ستة أبواب
الأول : في الطلاق السني والبدعي وغيرهما ، وفيه طرفان
الأول : في بيان البدعي والسني
لم يزل العلماء قديما وحديثا يصفون الطلاق بالبدعة والسنة . وفي معناهما اصطلاحان : أحدهما : السني ما لا يحرم إيقاعه ، والبدعي : ما يحرم . وعلى هذا فلا قسم سواهما . والثاني : وهو المتداول ، أن السني طلاق مدخول بها ليست بحامل ، ولا صغيرة ولا آيسة . والبدعي : طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس ، أو طهر جامعها فيه ولم يبن حملها ، وعلى هذا يستمر ما اشتهر في المذهب : أن غير الممسوسة لا سنة ولا بدعة في طلاقها ، وكذا من في معناها . وعلى هذا ، الطلاق سني وبدعي وغيرهما .
ثم ذكر الأصحاب أن ما لا يحرم من الطلاق : واجب ومستحب ومكروه . فالواجب في حق المؤلي ، إذا مضت المدة ، يؤمر أن يفي أو يطلق ، وعند الشقاق إذا رأى الحكمان التفريق وجب .
وأما المستحب ، فهو إذا كان يقصر في حقها لبغض أو غيره ، أو كانت غير عفيفة .
وأما المكروه ، فهو الطلاق عند سلامة الحال .
وأما . المحرم ، فلتحريمه سببان
[ ص: 4 ] أحدهما : إيقاعه في الحيض إذا كانت ممسوسة ، تعتد بالأقراء فطلقها بلا عوض . فإن خالع الحائض ، أو طلقها بعوض ، فليس بحرام .
ولو ، فحرام على الأصح . ولو سألت الطلاق ورضيت به بلا عوض في الحيض ، أو اختلعها أجنبي في الحيض ، فقال الإمام طولب المؤلي بالطلاق ، فطلق في الحيض وغيرهما : ليس بحرام لأنها طالبة راضية ، وكان يمكن أن يقال : حرام لأنه أحوجها بالإيذاء إلى الطلب وهو غير ملجأ إلى الطلاق لتمكنه من الفيئة . ولو طلق القاضي عليه ، إذا قلنا به ، فلا شك أنه ليس بحرام في الحيض . ولو رأى الحكمان في صورة الشقاق الطلاق ، فطلقا في الحيض ، ففي شرح " مختصر والغزالي الجويني " أنه ليس بحرام ، للحاجة إلى قطع الشر .
فرع
إذا ، استحب له أن يراجعها ، فإن راجع ، فهل له تطليقها في الطهر التالي لتلك الحيضة ؟ وجهان : أصحهما : المنع ، وبه قطع طلق في الحيض طلاقا محرما المتولي لحديث رضي الله عنهما وكأن الوجهين في أنه : هل يتأدى به الاستحباب بتمامه . ابن عمر
فأما أصل الإباحة والاستحباب ، فينبغي أن يحصل بلا خلاف لاندفاع ضرر تطويل العدة .
قلت : قد صرح الإمام وغيره ، بأن الوجهين في الاستحباب . قال الإمام : قال الجمهور : يستحب أن لا يطلقها فيه ، وقال بعضهم لا بأس به . وأما قول في " الوسيط " : هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر ؟ فيه وجهان : فشاذ أو مؤول ، فلا يعتبر بظاهره . والله أعلم . الغزالي
[ ص: 5 ] وهل يستحب أن يجامعها في ذلك الطهر ؟ وجهان : أحدهما : نعم ليظهر مقصود الرجعة . وأصحهما : الاكتفاء بإمكان الاستمتاع . قال الإمام : والمراجعة وإن كانت مستحبة ، فلا نقول تركها مكروه .
قلت : في هذا نظر ، وينبغي أن يقال : تركها مكروه للحديث الصحيح الوارد فيها ، ولدفع الإيذاء . والله أعلم .
فرع
، بني على أن الرجعية تستأنف العدة إذا طلقت ، أم تبني ؟ إن قلنا : تستأنف ، فبدعي وإلا فوجهان لعدم التطويل ولو طلقها في الحيض بدعيا ، ثم طلقها أخرى في تلك الحيضة أو في أخرى ، ففي كون الثانية بدعية الوجهان . طلقها في الطهر ، ثم طلقها أخرى في الحيض
فرع
بدعي كالحيض ، لأن المعنى المحرم شامل . الطلاق في النفاس
فرع
، فالأصح أنه سني لاستعقابه الشروع في العدة . ولو قال : أنت طالق مع آخر حيضك ، أو آخر جزء من أجزاء حيضك ، فالمذهب والمنصوص أنه بدعي . قال : أنت طالق مع آخر جزء من الطهر ولم يطأها
ولو قال في الصورتين بدل " مع " : في آخر جزء من كذا ، فقال الجمهور : في ك " مع " على ما تقدم . وقال المتولي : إن قال في آخر جزء من الحيض ، فبدعي قطعا ، أو في آخر جزء من الطهر ، فسني قطعا .
[ ص: 6 ] فرع
، ليس ببدعي ، وإن كان في الحيض ولكن إن وجدت الصفة في الطهر ، نفذ سنيا ، وإن وجدت في الحيض ، نفذ بدعيا فتستحب المراجعة ، ويمكن أن يقال : إن وجدت الصفة باختياره ، أثم بإيقاعه في الحيض . وعن تعليق الطلاق بالدخول وسائر الصفات القفال ، أن نفس التعليق بدعة ، لأنه لا يدري الحال وقت الوقوع ، فلتحترز عما قد يضرها ولا ضرورة إليه .
قلت : قوله أولا : وإن وجدت في الحيض نفذ بدعيا ، معناه يسمى بدعيا وترتب عليه أحكام البدعي ، إلا أنه لا إثم فيه باتفاق الأصحاب في كل الطرق ، إلا ما حكاه عن القفال : وقد أطنب الإمام في تغليط القفال في هذا وقال : هذا في حكم الهجوم على ما اتفق عليه الأولون ، فلم يحرم أحد تعليق الطلاق . والله أعلم .
ولو ، أو إذا جاء رأس الشهر ، فأنت طالق للسنة ، فإن وجد الشرط وهي في حال السنة ، طلقت . وإن وجد وهي في حال البدعة ، لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة ، فحينئذ تطلق ، لأن الطلاق معلق بأمرين ، فاشترط حصولهما ، وكذا لو قال لذات الأقراء : أنت طالق إن دخلت الدار ، أو إن قدم فلان للسنة ، فإن دخلت في حال البدعة طلقت ، وإن دخلت في حال السنة ، لم تطلق حتى ينتهي إلى البدعة . قال : إن دخلت الدار فأنت طالق للبدعة
ولو ، فصارت ذات سنة وبدعة ، ثم وجد الشرط المعلق عليه ، فإن وجد في حال السنة ، طلقت ، وإن وجد في حال البدعة ، لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة . ولو وجد الشرط قبل أن يتغير حالها . طلقت لأنه لا سنة في طلاقها . قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة كغير الممسوسة : أنت طالق إن دخلت الدار ، وإن قدم فلان للسنة
[ ص: 7 ] فرع
إذا ، يحتمل أن يقال : هو كما لو طلقها بسؤالها . علق طلاقها بما يتعلق باختيارها ، ففعلته مختارة
السبب الثاني : أن يجامعها في طهر وهي ممن تحبل ولم يظهر حملها ، فيحرم طلاقها في ذلك الطهر ، واستدخالها ماءه كالوطء ، وكذا وطؤها في الدبر على الأصح . ولو ، حرم على الأصح لاحتمال العلوق . وطئها في الحيض فطهرت ، ثم طلقها في ذلك الطهر
وأما إذا ظهر بها الحمل ، فلا يحرم طلاقها بحال . ولو ، لم يحرم على الصحيح ، كمخالعتها في الحيض . وقيل : يحرم ، لأن التحريم هنا رعاية لحق الولد ، فلا يؤثر فيه رضاها ، وهناك لضررها بطول العدة ، وتستحب المراجعة هنا كما في السبب الأول . خالعها أو طلقها على مال في الطهر الذي جامعها فيه ، قبل ظهور الحبل
ثم إن راجعها ووطئها في بقية الطهر ، ثم حاضت وطهرت ، فله أن يطلقها ، وإن لم يراجعها حتى انقضى ذلك الطهر ، ثم راجعها ، أو راجعها ولم يطأها ، استحب أن لا يطلق في الطهر الثاني ، لئلا تكون الرجعة للطلاق . وحكى الحناطي وجها أنه لا تستحب الرجعة هنا ، ولا يتأكد استحبابها تأكده في طلاق الحائض .