فصل
في بيان الإكراه
، بولاية ، أو تغلب ، وفرط هجوم ، وكون المكره مغلوبا عاجزا عن الدفع بفرار أو مقاومة ، أو استعانة بغيره ، ويشترط أن يغلب على ظنه أنه إن امتنع مما أكرهه عليه ، أوقع به المكروه . وقال يشترط فيه كون المكره غالبا قادرا على تحقيق ما هدده به : لا إكراه إلا بأن ينال بالضرب . [ ص: 59 ] والصحيح الذي قطع به الجمهور ، عدم اشتراط تنجيز الضرب وغيره بل يكفي التوعد . وفيما يكون التخويف به إكراها ، سبعة أوجه . أبو إسحاق المروزي
أحدها : القتل فقط . حكاه الحناطي والإمام .
والثاني : القتل ، أو قطع طرف ، أو ضرب يخاف منه الهلاك ، قاله أبو إسحاق .
والثالث : قاله وكثيرون : أنه يلحق بما سبق أيضا الضرب الشديد ، والحبس ، وأخذ المال ، وإتلافه ، وبهذا قال ابن أبي هريرة أبو علي في " الإفصاح " وزاد عليه فقال : لو توعده بنوع استخفاف ، وكان الرجل وجيها يغض ذلك منه ، فهو إكراه . قال هؤلاء : فالضرب والحبس والاستخفاف ، يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم . والتخويف بالقتل والقطع وأخذ المال ، لا يختلف . وقال الماسرجسي : يختلف بأخذ المال ، فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم منه إكراها ، قال الروياني : هذا هو الاختيار ، فهذه الأوجه هي الموجودة للمتقدمين من العراقيين وغيرهم . وأصحها : الثالث ، وصححه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما .
والرابع : أن الإكراه لا يحصل إلا إذا خوفه بما يسلب الاختيار ، ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى النار والشوك ، ولا يبالي ، فعلى هذا الحبس ليس بإكراه . وكذا التخويف بالإيلام الشديد . قال الإمام : لكن لو فوتح به ، احتمل جعله إكراها .
والخامس : لا يشترط سقوط الاختيار ، بل إذا ، حصل الإكراه . فعلى هذا ، ينظر فيما طلبه منه وما هدده به ، فقد يكون الشيء إكراها في مطلوب دون مطلوب ، وفي شخص دون شخص . فإن كان الإكراه على الطلاق ، حصل بالقطع وبالتخويف [ ص: 60 ] بالحبس الطويل ، وبتخويف ذوي المروءة بالصفع في الملأ ، وتسويد الوجه والطوف به في السوق . وقيل : لا يكون التخويف بالحبس وما بعده إكراها ، وطرد هذا الخلاف في التخويف بقتل الولد والوالد ، والصحيح في الجميع ، أنه إكراه . والأصح أن التخويف بإتلاف المال ليس إكراها على هذا الوجه ، وإن كان الإكراه على قتل فالتخويف بالحبس ، وقتل الولد ، وإتلاف المال ليس إكراها . وإن كان الإكراه على إتلاف مال ، فالتخويف بجميع ذلك إكراها . وقيل : لا يكون التخويف بإتلاف المال إكراها في إتلاف المال . أكرهه على فعل يؤثر العاقل الإقدام عليه حذرا مما تهدده به
الوجه السادس : أن ، بحيث لو حققها تعلق به قصاص ، فيخرج عنه ما لا يتعلق ببدنه ، كأخذ المال وقتل الوالد والولد ، والزوجة ، والضرب الخفيف ، والحبس المؤبد ، إلا أن يخوفه بحبس في قعر بئر يغلب منه الموت . واختار الإكراه إنما يحصل بالتخويف بعقوبة تتعلق ببدن المكره القاضي حسين هذا .
الوجه السابع : لا يحصل الإكراه إلا بعقوبة شديدة تتعلق ببدنه ، فيدخل فيه القتل والقطع ، والضرب الشديد ، والتجويع والتعطيش ، والحبس الطويل ، ويخرج ما خرج عن الوجه السادس ، ويخرج عنه التخويف بالاستخفاف بإلقاء العمامة والصفع ، وما يخل بالجاه . واستبعد الإمام من هذا الوجه ، دخول الحبس وخروج قتل الولد ، وأما التخويف بالنفي عن البلد ، فإن كان فيه تفريق بينه وبين أهله ، فكالحبس الدائم ، وإلا فوجهان . أصحهما : إكراه ، لأن مفارقة الوطن شديدة ، ولهذا جعلت عقوبة للزاني ، وجعل البغوي التخويف باللواط ، كالتخويف بإتلاف المال ، وتسويد الوجه . وقال : لا يكون ذلك إكراها على القتل والقطع . وفي كونه إكراها في الطلاق والعتاق وإتلاف المال ، وجهان .
قلت : الأصح من هذا الخلاف المنتشر ، هو الوجه الخامس ، لكن في بعض [ ص: 61 ] تفصيله المذكور نظر . فالاختيار أن يقال : الإكراه . والله أعلم .
فرع
لا يحصل الإكراه بالتخويف بعقوبة آجلة كقوله : لأقتلنك غدا ، ولا بأن . يقول : طلق امرأتك وإلا قتلت نفسي ، أو كفرت ، أو أبطلت صومي أو صلاتي
ولا بأن يقول مستحق القصاص : طلق امرأتك ، وإلا اقتصصت منك .
فرع
لو أخذه السلطان الظالم بسبب غيره وطالبه به فقال : لا أعرف موضعه ، أو طالبه بماله فقال : لا شيء له عندي ، فلم يخله حتى يحلف بالطلاق فحلف به كاذبا ، وقع طلاقه ذكره القفال وغيره ، لأنه لم يكرهه على الطلاق ، وإنما توصل بالحلف إلى ترك المطالبة ، بخلاف ما إذا قال له اللصوص : لا نخليك حتى تحلف أن لا تذكر ما جرى ، فحلف ، لا يقع طلاقه إذا ذكره ، لأنهم أكرهوه على الحلف بالطلاق هنا .
فرع
، لم يقبل قوله إلا أن يكون محبوسا ، أو كان هناك قرينة أخرى . تلفظ بطلاق ثم قال : كنت مكرها وأنكرت
ولو قال : طلقت وأنا صبي ، أو نائم ، فقال أبو العباس الروياني : يصدق بيمينه .
قال : ولو ، لم يقبل إلا ببينة على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت . طلق في المرض ، وقال : كنت مغشيا علي
قلت : هذا الذي قاله في النائم ، فيه نظر . والله أعلم .